بالكناية مع النية كانعقاده بالصريح. وما لا يستقل به، بل يفتقر إلى إيجاب وقبول، ضربان أحدهما: ما يشترط فيه الشهادة كالنكاح وبيع الوكيل إذا شرط الموكل الاشهاد، فهذا لا ينعقد بالكناية، لان الشاهد لا يعلم النية. والثاني: ما لا يشترط فيه، وهو نوعان. أحدهما: ما يقبل مقصوده التعليق بالغرر، كالكتابة، والخلع، فينعقد بالكناية مع النية.
والثاني: ما لا يقبل، كالبيع والإجارة وغيرهما. وفي انعقاد هذه التصرفات بالكناية مع النية، وجهان. أصحهما: الانعقاد كالخلع.
ومثال الكناية في البيع، أن يقول: خذه مني، أو تسلمه بألف، أو أدخلته في ملكك، أو جعلته لك بكذا وما أشبهها. ولو قال: سلطتك عليه بألف، ففي كونه كناية وجهان. أحدهما: لا، كقوله: أبحتكه بألف.
قلت: الأصح: أنه كناية. والله أعلم.
فرع لو كتب إلى غائب بالبيع ونحوه، ترتب ذلك على أن الطلاق، هل يقع بالكتب مع النية؟ إن قلنا: لا، فهذه العقود أولى أن لا تنعقد، وإلا، ففيها الوجهان في انعقادها بالكنايات. فإن قلنا: تنعقد، فشرطه أن يقبل المكتوب إليه بمجرد اطلاعه على الكتاب على الأصح.
قلت: المذهب: أنه ينعقد البيع بالمكاتبة لحصول التراضي، لا سيما وقد قدمنا أن الراجح انعقاده بالمعاطاة. وقد صرح الرافعي بترجيح صحته بالمكاتبة في كتاب الطلاق، وستأتي هذه المسائل كلها مبسوطة فيه إن شاء الله تعالى. واختار الغزالي في الفتاوى: أنه ينعقد، قال: وإذا قبل المكتوب إليه، ثبت له خيار المجلس، ما دام في مجلس القبول، ويتمادى خيار الكاتب أيضا إلى أن ينقطع خيار المكتوب إليه، حتى لو علم أنه رجع عن الايجاب قبل مفارقة المكتوب إليه مجلسه، صح رجوعه، ولم ينعقد البيع. والله أعلم.
ولو تبايع حاضران بالمكاتبة، فإن منعناه في الغيبة، فهنا أولى، وإلا، فوجهان. وحكم الكتب على القرطاس، والرق، واللوح، والأرض، والنقش على الحجر والخشب، واحد، ولا أثر لرسم الأحرف على الماء والهواء. قال بعض أصحابنا تفريعا على صحة البيع بالمكاتبة.