فما برحت بكر تثوب وتدعى * ويلحق منهم أولون وآخر وقال الله عز وجل " أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم " يعنى والله أعلم، آمنا من صار إليه لا يتخطف اختطاف من حولهم وقال لإبراهيم خليله " وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق " (قال الشافعي) فسمعت بعض من أرضى من أهل العلم يذكر أن الله تبارك وتعالى لما أمر بهذا إبراهيم عليه السلام، وقف على المقام فصاح صيحة " عباد الله أجيبوا داعي الله " فاستجاب له حتى من في أصلاب الرجال وأرحام النساء، فمن حج البيت بعد دعوته فهو ممن أجاب دعوته ووافاه من وافاه يقولون " لبيك داعي ربنا لبيك " وقال الله عز وجل " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " الآية، فكان ذلك دلالة كتاب الله عز وجل فينا وفى الأمم، على أن الناس مندوبون إلى اتيان البيت بإحرام، وقال الله عز وجل " وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفتين والعاكفين والركع السجود " وقال " فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم " (قال الشافعي) فكان مما ندبوا به إلى إتيان الحرم بالاحرام قال: وروى عن ابن أبي لبيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال " لما أهبط الله تعالى آدم من الجنة طأطأه فشكا الوحشة إلى أصوات الملائكة " فقال " يا رب مالي لا أسمع حس الملائكة؟ " فقال " خطيئتك يا آدم ولكن اذهب فإن لي بيتا بمكة فائته فافعل حوله نحو ما رأيت الملائكة يفعلون حول عرشي " فأقبل يتخطى موضع كل قدم قرية وما بينهما مفازة فلقيته الملائكة (2) بالردم فقالوا " بر حجك يا آدم لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام " أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي لبيد عن محمد ابن كعب القرظي أو غيره قال: حج آدم فلقيته الملائكة فقالت بر نسكك يا آدم لقد حججنا قبلك بألفي عام (قال الشافعي) وهو إن شاء الله تعالى كما قال، وروى عن أبي سلمة وسفيان بن عيينة كان يشك في إسناده (قال الشافعي) ويحكى أن النبيين كانوا يحجون فإذا أتوا الحرم مشوا إعظاما له ومشوا حفاة، ولم يحك لنا عن أحد من النبيين ولا الأمم الخالية أنه جاء أحد البيت قط إلا حراما ولم يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة علمناه إلا حراما إلا في حرب الفتح فبهذا قلنا إن سنة الله تعالى في عباده أن لا يدخل الحرم إلا حراما وبأن من سمعناه من علمائنا قالوا فمن نذر أن يأتي البيت يأتيه محرما بحج أو عمرة (قال) ولا أحسبهم قالوه إلا بما وصفت وأن الله تعالى ذكر وجه دخول الحرم فقال " لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام، إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين " (قال) فدل على وجه دخوله للنسك وفى الامن وعلى رخصة الله في الحرب وعفوه فيه عن النسك وأن فيه دلالة على الفرق بين من يدخل مكة وغيرها من البلدان وذلك أن جميع البلدان تستوى لأنها لا تدخل بإحرام وإن مكة تنفرد بأن من دخلها منتابا لها لم يدخلها إلا بإحرام (قال الشافعي) إلا أن من أصحابنا من رخص للحطابين ومن مدخله إياها لمنافع أهلها والكسب لنفسه ورأيت أحسن ما يحمل عليه هذا القول إلى أن انتياب هؤلاء مكة انتياب كسب لا انتياب تبرر، وأن ذلك متتابع كثير متصل فكانوا يشبهون المقيمين فيها، ولعل حطابيهم كانوا مماليك غير مأذون لهم بالتشاغل بالنسك، فإذا كان فرض الحج على المملوك ساقطا سقط عنه ما ليس بفرض من النسك، فإن كانوا عبيدا ففيهم هذا المعنى الذي ليس في غيرهم مثله وإن كانت الرخصة لهم لمعنى أن قصدهم في دخول مكة ليس قصد النسك ولا التبرر وأنهم يجمعون أن دخولهم شبيه بالدائم
(١٥٤)