رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم، لقوله تعالى: فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين، ولقوله تعالى: يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به.
وأما المكان فإنه كان مطلقا في سائر الأماكن إلا في الحرم، فإنه كان لا يجوز القتال فيه إلا أن يبدأوا بالقتال لقوله تعالى: ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه، ثم نسخ ذلك وجاز القتال في سائر الأوقات وجميع الأماكن لقوله تعالى: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.
وقاتل النبي صلى الله عليه وآله هوازن في شوال، وبعث خالد بن الوليد إلى الطائف في ذي القعدة فثبت بذلك أنه منسوخ، وقد روى أصحابنا أن حكم ذلك ثابت في من يرى لهذه الأشهر حرمة، فأما من لا يرى ذلك فإنه يبدأ فيه بالقتال.
ولما نزل قوله تعالى: ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها، فأوجب الهجرة، وكان الناس على ثلاثة أضرب: منهم من يستحب له ولا يجب عليه، ومنهم من لا يستحب له ولا يجب عليه، ومنهم من يجب عليه.
فالذي يستحب لهم ولا يجب عليهم من أسلم بين ظهراني المشركين وله قوة بأهله وعشيرته ويقدر على إظهار دينه ويكون آمنا على نفسه مثل العباس بن عبد المطلب وعثمان، كان يستحب لهم أن يهاجروا لئلا يكثر سواد المشركين، ولا يلزمه لأنه قادر على إظهار دينه.
وأما الذي لا يجب ولا يستحب له فهو أن يكون ضعيفا لا يقدر على الهجرة فإنه يقيم إلى أن يتمكن ويقدر.
وأما الذي تلزمه الهجرة وتجب عليه من كان قادرا على الهجرة ولا يأمن على نفسه من المقام بين الكفار، ولا يتمكن من إظهار دينه بينهم فيلزمه أن يهاجر لقوله تعالى: إن الذين توفيهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها، فدل هذا