جوازه.
وإذا عقد الذمة للمشركين كان عليه أن يذب عنهم كل من لو قصد المسلمين لزمه أن يذب عنهم، ولو عقد الهدنة لقوم منهم كان عليه أن يكف عنهم من تجري عليه أحكامنا من المسلمين وأهل الذمة، وليس عليه أن يدفع عنهم أهل الحرب ولا بعضهم عن بعض. والفرق بينهما أن عقد الذمة يقتضي أن تجري عليهم أحكامنا فكانوا كالمسلمين، والهدنة عقد أمان لا يتضمن جري الأحكام فاقتضى أن يأمن من جهته من يجري عليه حكم الأمان دون غيره.
فإذا ثبت هذا فليس يخلو حالهم من أربعة أحوال: إما أن يكونوا في جوف بلاد الإسلام، أو في طرف بلاد الإسلام، أو بين بلاد الإسلام وبلاد الحرب، أو في جوف بلاد الحرب.
فإن كانوا في جوف بلاد الإسلام - كالعراق ونحوها - أو في طرف بلاد الإسلام فعليه أن يدفع عنهم لأن عقد الذمة اقتضى ذلك، فإن شرط أن لا يدفع عنهم لم يجز لأنه إن لم يدفع عنهم تخطى إلى دار الإسلام.
وإن كانوا بين بلاد الإسلام وبلاد أهل الحرب أو في جوف دار الحرب فعليه أن يدفع عنهم إذا أمكنه ذلك لأن عقد الذمة اقتضى هذا، فإن شرط في عقد الذمة أن لا يدفع عنهم أهل الحرب لم يفسد العقد لأنه ليس في ذلك تمكين أهل الحرب من دار الإسلام.
فإذا ثبت هذا، فمتى قصدهم أهل الحرب ولم يدفع عنهم حتى مضى حول فلا جزية عليهم لأن الجزية تستحق بالدفع، وإن سباهم أهل الحرب فعليه أن يسترد ما سبي منهم من الأموال لأن عليه حفظ أموالهم، فإن كان في جملته خمر أو خنزير لم يلزمه ولا عليه أن يستنقذ ذلك منهم لأنه لا يحل إمساكه.
فإذا أخذ الجزية منهم أخذها كما يأخذ غيرها، ولا يضرب منهم أحدا ولا ينالهم بقول قبيح، والصغار أن يجري عليهم الحكم لا أن يضربوا.