الشرعيان مجهولين في عهد الصحابة، ومن بعدهم، مع تعلق الحقوق الشرعية بهما في الزكاة، والأنكحة والحدود، وغيرها، كما ذكرناه.
والحق، انهما كانا معلومي المقدار في ذلك العصر، لجريان الاحكام يومئذ بما يتعلق بهما من الحقوق، وكان مقدارهما غير مشخص في الخارج، وانما كان متعارفا بينهم بالحكم الشرعي، المتقرر في مقدارهما ووزنهما حتى استفحلت الدولة الاسلامية، وعظمت أحوالها: ودعت الحال إلى تشخيصهما في المقدار، والوزن، كما هو عند الشرع ليستريحوا من كلفة التقدير (1)، وقارن ذلك أيام عبد الملك، فشخص مقدارهما وعينهما في الخارج، كما هو في الذهن، ونقش عليهما السكة، باسمه، وتاريخه، أثر الشهادتين الايمانيتين، وطرح النقود الجاهلية رأسا، حتى خلصت، ونقشت (2) عليهما سكته، وتلاشى وجودهما، وهذا هو الحق الذي لا محيد عنه،.
ثم بعد ذلك وقع اختيار أهل السكة في الدولة على مخالفة المقدار الشرعي في الدينار والدرهم، واختلفت في تلك الأقطار، والآفاق، ورجع الناس إلى تصور مقاديرهما الشرعية، ذهنا، كما كان في الصدر الأول، وصار أهل كل أفق يستخرجون الحقوق الشرعية من سكتهم بمعرفة النسبة التي بينها وبين مقاديرها الشرعية.
واما وزن الدينار. باثنتين وسبعين حبة، من الشعير الوسط، فهو الذي نقله المحققون، وعليه الاجماع، إلا ابن حزم، فإنه خالف في ذلك، وزعم أنه أربع وثمانون حبة، نقل ذلك عنه القاضي عبد الحق، ورده المحققون، وعدوه وهما، أو غلطا وهو الصحيح (3) وقال مصطفى الذهبي الشافعي: في رسالة تحرير الدرهم والمثقال وإنما