كيما يكونوا جبارين يتخذهم الناس أرباباً، ويتخذون عباد اللَّه خولًا ومالهم دولًا، فأبوا الا ان يبدؤوا بالخوارج، فسار علي اليهم، حتى أتى النهروان، فبعث اليهم بالحارث بن مرة العبدي رسولًا يدعوهم إلى الرجوع، فقتلوه، وبعثوا إلى علي: ان تبت من حكومتك وشهدت على نفسك بالكفر بايعناك، وان ابيت فاعتزلنا حتى نختار لأنفسنا اماماً فانا منك براء فبعث اليهم علي: ان ابعثوا الي بقتلة اخواني فاقتلهم ثم اتارككم إلى ان افرغ من قتال أهل المغرب ولعل اللَّه يقلب قلوبكم، فبعثوا اليه: كلنا قتلة اصحابك وكلنا مستحل لدمائهم مشتركون في قتلهم واخبره الرسول- وكان من يهود السواد- ان القوم قد عبروا نهر طبرستان، وهذا النهر عليه قنطرة، تعرف بقنطرة طبرستان بين حلوان وبغداد، من بلاد خراسان، فقال علي: واللَّه ما عبروه ولا يقطعونه حتى نقتلهم بالرميلة دونه، ثم تواترت عليه الأخبار بقطعهم لهذا النهر وعبورهم هذا الجسر، وهو يأبى ذلك ويحلف انهم لم يعبروه وأن مصارعهم دونه، ثم قال: سيروا إلى القوم، فواللَّه لا يفلت منهم الا عشرة ولا يقتل منكم الا عشرة، فسار علي، فاشرف عليهم، وقد عسكروا بالموضع المعروف بالرميلة على حسب ما قال لأصحابه فلما اشرف عليهم قال: اللَّه أكبر، صدق (اللَّه و) رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم فتصاف القوم ووقف عليهم بنفسه، فدعاهم إلى الرجوع والتوبة، فابوا ورموا اصحابه، فقيل له: قد رمونا فقال: كفوا، فكرروا القول عليه ثلاثاً وهو يأمرهم بالكف، حتى أتى برجل قتيل متشحط بدمه، فقال علي: اللَّه أكبر، الآن حل قتالهم، احملوا على القوم، فحمل رجل من الخوارج على اصحاب علي فخرج فيهم، وجعل يغشى كل ناحية، ويقول:
أضربهم ولو أرى علياً | | ألبسته أبيض مشرَفيّا |
فخرج اليه علي رضي اللَّه عنه، وهو يقول:
يا ايَّهذا المبتغي علياً | | اني أراك جاهلًا شقيّا |
قد كنت عن كفاحه غنّياً | | هلّم فابرزها هنا اليّا |
وحمل عليه عليٌ فقتله، ثم خرج منهم آخر، فحمل على الناس، ففتك فيهم وجعل يكر عليهم، وهو يقول:
أضربهم ولو أرى أبا حسن | | البسته بصارمي ثوب غَبَن |
فخرج اليه علي وهو يقول:
يا أيّهذا المبتغى أبا حسن | | اليك فانظر أيّنا يلقى الغبن |
وحمل عليه عليٌ وشكه بالرمح، وترك الرمح فيه، فانصرف علي وهو يقول:
لقد رأيت أبا حسن فرأيت ما تكره وحمل أبو ايوب الأنصاري على زيد بن حصن فقتله، وقتل عبد اللَّه بن وهب الراسبي، قتله هاني بن حاطب الأزدي، وزياد بن حفصصة، وقتل حرقوص بن زهير السعدي، وكان جملة من قتل من اصحاب علي تسعة ولم يفلت من الخوارج الا عشرة، وأتى عليٌ على القوم، وهم أربعة آلاف، فيهم المخدع [ذو الثدية] الا من ذكرنا من هؤلاء العشرة، وأمر علي بطلب المخدج، فطلبوه، فلم يقدروا عليه، فقام علي وعليه أثر الحزن، لفقد المخدج فانتهى إلى قتلى بعضهم فوق بعض، فقال: افرجوا، ففرجوا يميناً وشمالًا واستخرجوه، فقال علي رضي اللَّه عنه: اللَّه أكبر، ما كذبت على محمّد، انه لناقص اليد، ليس فيها عظم، طرفها حلمة مثل ثدي المرأة عليها خمس شعرات أو سبع، رؤوسها معقفة، ثم قال: أئتوني به، فنظر إلى عضده فإذا لحم مجتمع على منكبه كثدي المرأة عليه شعرات سود إذا مدت اللحمة امتدت حتى تحاذي بطن يده الأخرى، ثم تترك فتعود إلى منكبه، فثنى رجله ونزل، وخر للَّه ساجداً.