برهان آخر، أقامه الطبيعيون (1) من طريق الحركة والتغير. تقريره: أنه قد ثبت فيما تقدم - في مباحث القوة والفعل (2) - أن المحرك غير المتحرك، فلكل متحرك محرك غيره، ولو كان المحرك متحركا فله محرك أيضا غيره، ولا محالة تنتهي سلسلة المحركات إلى محرك غير متحرك دفعا للدور والتسلسل. وهو لبراءته من المادة والقوة، وتنزهه عن التغير والتبدل، وثباته في وجوده، واجب الوجود بالذات أو ينتهي إليه في سلسلة علله.
برهان آخر، أقامه الطبيعيون أيضا من طريق النفس الإنسانية (3). تقريره: أن النفس الإنسانية مجردة عن المادة ذاتا، حادثة بما هي نفس بحدوث البدن، لامتناع التمايز بدون الأبدان واستحالة التناسخ - كما بين في محله (4) - فهي ممكنة مفتقرة إلى علة غير جسم ولا جسمانية، أما عدم كونها جسما، فلأنها لو كانت جسما كان كل جسم ذا نفس، وليس كذلك، وأما عدم كونها جسمانية، فلأنها لو كانت جسمانية، سواء كانت نفسا أخرى أو صورة جسمية أو عرضا جسمانيا، كان تأثيرها بتوسط الوضع، ولا وضع للنفس مع كونها مجردة، على أن النفس لتجردها أقوى تجوهرا وأشرف وجودا من كل جسم وجسماني، ولا معنى لعلية الأضعف الأخس للأقوى الأشرف.
فالسبب الموجد للنفس أمر وراء عالم الطبيعة وهو الواجب (تعالى) بلا واسطة أو بواسطة علل مترتبة تنتهي إليه.
برهان آخر، للمتكلمين من طريق الحدوث (5). تقريره: أن الأجسام لا تخلو عن الحركة والسكون وهما حادثان، وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث،