السمع لمعزولون ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون لان العناية الإلهية ما سبقت لهم بالحسنى فهكذا كان أول هذا الامر وآخره وأنت أيضا يا حبيبي لو لم تكن مما قضى الله فيك خيرا ولم تكن اهلا لذلك بحسب ما يسر لك هذا الامر العسير في التقدير لما وقع منك الا التقليد كالعميان ان كنت من المسلمين ولم تكن من الجاهدين وإذا كنت اهلا له وقد أعطاك الله عينا صحيحه غير مكفوفة بحجاب تقليد ولا مؤفة بآفة عصبية فإذا فتحت عينك أبصرت ما هو بين يديك فلا تحتاج إلى قائد يقودك واما المقلد فهو كالأعمى في المشي يحتاج إلى قائد ولكن ليس كل ما يدرك قائدا ويفعله يمكن للمقلد ان يقلده فيه انما التقليد يجرى في الأمور الناقصة والافعال الدنية فالأعمى يمكن ان يقاد ولكن إلى حد ما فإذا ضاق الطريق وصار أحد من السيف وادق من الشعر قدر الطائر على أن يطير عليه ولم يقدر على أن يستجيز وراء ه أعمى وكذا إذا دق المجال ولطف لطف الماء مثلا ولم يمكن العبور الا بالسباحة فقد يقدر الماهر بصنعه السباحة ان يعبر بنفسه وربما لم يقدر على أن يستجيز وراء ه آخر فلو فرض القائد كالطير في طيرانه أوج عالم الملكوت بجو سماء الجبروت أو كالسباح الماهر في سباحه ابحر الحقائق والمعاني فلا يمكن للأعمى تقليد ذلك القائد في الطيران ولا للزمن المقعد عن أصل السير تقليد هذا في سير البحر.
فهذه العلوم التي يشتمل عليها كلام الله وكتابه نسبه التدبر فيها على الحقيقة إلى ما يدركه جماهير الناس وفيه مجال أفكارهم كنسبه المشي على المال إلى المشي على وجه الأرض فالمشي على الأرض يمكن ان يتعلم واما المشي على الماء فضلا عن الطيران في الهواء فلا يكتسب بالتقليد أو بالتعلم بل ينال بقوة اليقين ولذلك لما قيل للنبي ص ان عيسى ع يقال إنه يمشى على الماء فقال لو ازداد يقينا لمشى على الهواء فلأهل القرآن وهم أهل الله خاصه بحمد الله أعين يبصرون بها آيات الله ولهم آذان يسمعون بها كلماته وقلوب يعقلون بها اسرار حكمته وشريعته وأيد يبطشون بها موائد كرمه ورحمته وأرجل يمشون بها في دار كرامته ومنزل جوده ورأفته