فهو المصحف المحسوس الملموس والرقم المنقوش الممسوس واما باطن علته فهو ما يدركه الحس الباطن ويستثبته القراء والمجودون في خزانه مدركاتهم ومخزوناتهم كالخيال ونحوه والحس الباطن لا يدرك المعنى صرفا بل خلطا مع غواش جسمانية و عوارض مقداريه الا انه يستثبته بعد زوال مادة المحسوس عن الحضور فهاتان المرتبتان من القرآن دنياويتان مما يدركه كل انسان بشرى واما باطنه وسره فهما مرتبتان أخراويتان ولكل منهما مراتب ودرجات ومنازل ومقامات.
فالأولى منهما مما يدركه الانسان المتمكن من تصور المعاني بحدودها وحقائقها منفوضه عنها اللواحق الغريبة والآثار الخارجية المادية مأخوذا كل منهما من المبادي العقلية من حيث يشترك فيه الكثرة ويجتمع عنده الاعداد في الوحدة ويزول عنه التعاند والتضاد ويتصالح فيه الآحاد بل الأضداد لا كحالها في عالم المواد والأجساد ومثل هذا المعنى المشترك فيه لا يدركه الروح الانساني ما لم يتجرد عن مقام الخلق إلى مقام الامر ولم ينفض عن وجه ذاته تراب قبر البدن وحواسه إذ ليس من شان المغمور في المادة ان يكون عاقلا لشئ كما ليس من المنغمس فيها كالمحسوس ان يكون معقولا.
على انك قد علمت أن كل مرتبه من الادراك سواء كان احساسا أو تخيلا أو توهما أو تعقلا لا بد له من ضرب من التجرد وان مدار المدركية والمدركية على نحو من التجرد عن المادة والهجرة عن الدنيا وان درجات التجرد والمفارقة متفاوتة جدا فكذا درجات الوصول إلى درك حقائق الأشياء والقرب من عالم الإلهية والاخذ منه تعالى.
فالروح الانسانية تارة تتلقى ادراك الأشياء من عالم الحس وذلك عند نزوله في مرتبه بدنه وحواسه وتارة تتلقى من عالم التخيل والتمثل الجزئي وتارة تتلقى المعارف العقلية بجوهرها العقلي الذي هو من حيز عالم الامر وتارة تأخذ المعارف