في تلك النقطة الواحدة (1) وقد بينا في هذه الاسفار وفي غيرها بالبرهان الحكمي ان بسيط الحقيقة كل الأشياء وقال معلم حكمه المشائين ومقدمهم في الميمر العاشر من كتابه المعروف باثولوجيا الواحد المحض هو عله الأشياء كلها وليس كشئ من الأشياء بل هو بدؤ الأشياء وليس هو الأشياء بل الأشياء كلها فيه وقد صرح بهذا في غير موضع من مواضع كتابه.
ونحن نمثل لك في هذا المعنى مثالا من المحسوس يقربك إلى فهمه من وجه فإنك إذا قلت لله ما في السماوات وما في الأرض فقد جمعت جميع الموجودات في كلمه واحده وإذا حاولت ذكرها بالتفصيل لافتقرت إلى مجلدات كثيره ثم قس على نسبه اللفظ إلى اللفظ نسبه المعنى إلى المعنى على أن فسحه عالم المعاني والتفاوت بين اقسامها وافرادها لا يقاس بفسحة عالم الألفاظ والتفاوت فيها.
ولو اتفق لاحد ان يخرج من هذا الوجود المجازي الحسى إلى أن التحق بالوجود العقلي واتصل بدائرة الملكوت السبحاني حتى يشاهد معنى (2) والله بكل شئ محيط ويرى ذاته محاطا بها مقهورة تحت كبريائه فحينئذ يشاهد وجوده تحت نقطه باء السببية لمسبب الأسباب ويعاين عند ذلك تلك الباء التي في بسم الله حيثما تجلت له عظمتها وجلاله قدرها ورفعه سر معناها هيهات نحن وأمثالنا لا نشاهد من القرآن الا سوادا لكوننا في عالم الظلمة والسواد وما حدث فيه من مد هذا المداد أعني مادة الابعاد والأجساد وهيولي الأضداد والاعداد والمدرك لا يدرك شيئا الا بما في قوه ادراكه وقوه ادراكه دائما يكون من جنس مدركاته بل هي عينها كما ذهبنا اليه فالحس لا ينال الا المحسوس ولا الخيال الا المتخيل ولا العقل الا المعقول فلا يدرك النور الا بالنور ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور.