على قلوبهم ما كانوا يكسبون فإذا أعرضت النفس عن دواعي الطبيعة وظلمات الهوى والاشتغال بما تحتها من الشهوة والغضب والحس والتخيل وتوجهت وولت بوجهها شطر الحق وتلقاء عالم الملكوت الاعلى اتصلت بالسعادة القصوى فلاح لها سر الملكوت وانعكس عليها قدس اللاهوت ورآى عجائب آيات الله الكبرى كما قال سبحانه لقد رأى من آيات ربه الكبرى ثم إن هذه الروح إذا كانت قدسية شديده القوى قويه الإنارة لما تحتها لقوه اتصالها بما فوقها فلا يشغلها شان عن شان ولا يمنعها جهة فوقها عن جهة تحتها فتضبط للطرفين وتسع قوتها الجانبين لشدة تمكنها في الحد المشترك بين الملك والملكوت لا كالأرواح الضعيفة التي إذا مالت إلى جانب غاب عنها الجانب الآخر وإذا ركنت إلى مشعر من المشاعر ذهلت عن المشعر الاخر.
فإذا توجهت هذه الروح القدسية التي لا يشغلها شان عن شان ولا يصرفها نشأة عن نشأة وتلقت المعارف الإلهية بلا تعلم بشرى بل من الله يتعدى تأثيرها إلى قواها ويتمثل لروحه البشرى صوره ما شاهدها بروحه القدسي وتبرز منها إلى ظاهر الكون فيتمثل للحواس الظاهرة سيما السمع والبصر لكونهما اشرف الحواس الظاهرة فيرى ببصره شخصا محسوسا في غاية الحسن والصباحة ويسمع بسمعه كلاما منظوما في غاية الجودة والفصاحة فالشخص هو الملك النازل بإذن الله الحامل للوحي الإلهي والكلام هو كلام الله تعالى وبيده لوح فيه كتاب هو كتاب الله وهذا الامر المتمثل بما معه أو فيه ليس مجرد صوره خيالية (1) لا وجود لها في خارج الذهن والتخيل كما يقوله من لاحظ له من علم