يتأدى من غيبه وباطن سره إلى مشاعره وهذه التأدية ليست من قبيل الانتقال وحركة للملك (1) الموحى من موطنه ومقامه إذ كل له مقام معلوم لا يتعداه ولا ينتقل بل مرجع ذلك إلى انبعاث نفس النبي ص من نشأة الغيب إلى نشأة الظهور ولهذا كان يعرض له ص شبه الدهش والغشى ثم يرى ويسمع ثم يقع منه الانباء والاخبار فهذا معنى تنزيل الكتاب وانزال الكلام من رب العالمين.
واعلم مما ذكر وجه ما قيل (2) ان الروح القدسية تخاطب الملائكة في اليقظة والروح النبوية تعاشرهم في النوم ولكن يجب ان يعلم الفرق بين نوم الأنبياء ع و نوم غيرهم كما أن الفرق ثابت بين يقظتيهما فان نومهم كيقظة الناس ولذا قال ص تنام عيني ولا ينام قلبي وقال على ع الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا ولعلك بما ذكرناه تستطع ان تذعن بان كل ما كان يراه ويشاهده الروح النبوية في عالم الغيب ليس خارجا عن جنس الكلام والمتكلم والكتابة والكاتب فهذا امر مضبوط واجب الوقوع وليس باتفاقي فتدبر.
ولاجل ذلك وقع في كثير من مواضع القرآن ذكر تنزيل الكتاب والآيات مشفوعا بذكر خلق السماوات والأرض وما فيهما كما في قوله تعالى في سوره آل عمران ان الله