القرب ومقعد الصدق ومعدن الوحي والالهام وهو الكلام الحقيقي كما مر وكذلك إذا عاشر النبي ص الملائكة الأعلين يسمع صريف أقلامهم والقاء كلامهم وكلامهم كلام الله النازل في محال معرفتهم وهي ذواتهم وعقولهم لكونهم في مقام القرب وقد حكى النبي ص عن نفسه كما روى ليله المعراج انه بلغ إلى مقام كان يسمع فيه صريف أقلام الملائكة ثم إذا نزل إلى ساحة الملكوت السماوي يتمثل له صوره ما عقلها وشاهدها في لوح نفسه الواقعة في عالم الألواح القدرية السماوية ثم يتعدى منه الأثر إلى الظاهر وحينئذ يقع للحواس شبه دهش ونوم لما علمت من أن الروح القدسية لضبطها الجانبين تستعمل المشاعر الحسية لكن لا في الاعراض الحيوانية بل في سبيل سلوك الرب سبحانه فهي تشايعها في سبيل معرفه الله وطاعته لا جرم إذا خاطبه الله خطابا من غير حجاب خارجي سواء كان الخطاب بلا واسطه أو بواسطة الملك واطلع على الغيب فانطبع في فص نفسه النبوية نقش الملكوت وصوره الجبروت فكان يتشبح له مثال من الوحي وحامله إلى الحس الباطن فينجذب قوه الحس الظاهر إلى فوق ويتمثل لها صوره غير منفكة عن معناها وروحها الحقيقي لا كصوره الأحلام والخيالات العاطلة عن المعنى فيتمثل لها حقيقة الملك بصورته المحسوسة بحسب ما يحتملها فيرى ملكا من ملائكة الله على غير صورته التي كانت له في عالم الامر لان الامر إذا نزل صار خلقا مقدرا فيرى على صورته الخلقية القدرية ويسمع كلاما مسموعا بعد ما كان وحيا معقولا أو يرى لوحا بيده مكتوبا فيكون الموحى اليه يتصل بالملك أولا بروحه العقلي ويتلقى منه المعارف الإلهية ويشاهد ببصره العقلي آيات ربه الكبرى ويسمع بسمعه العقلي كلام رب العالمين من الروح الأعظم.
ثم إذا نزل عن هذا المقام الشامخ الإلهي يتمثل له الملك بصوره محسوسه بحسه ثم ينحدر إلى حسه الظاهر ثم إلى الهواء وهكذا الكلام في كلامه فيسمع أصواتا و حروفا منظومة مسموعه يختص هو بسماعها دون غيره لأنها نزلت من الغيب إلى الشهادة وبرزت من باطنه إلى ظاهره من غير باعث خارجي فيكون كل من الملك وكلامه وكتابه