ان المتأمل منه في خلق السماوات والأرض إذا نظر إلى هذا العالم ورأى السماء والأرض وما بينهما يظهر صورته في قلبه حتى أنه لو غمض بصره يرى تلك الصورة في خياله متمثلة بين يديه حاضره عنده أتم من حضور الصورة الخارجية بين يدي حسه ثم يتأدى من خياله صوره إلى نفسه ومنها إن كان ذا عقل بالفعل إلى عقله البسيط المتحد بالعقل الفعال فيحصل حقائق الموجودات التي دخلت أولا في الحس ثم في الخيال وعالم المثال وهلم إلى عالم الامر والعقل الفعال فنسخه عالم الحس موافقه لنسخ تلك العوالم وهي مطابقه للنسخة الموجودة في اللوح المحفوظ المكتوبة بالقلم الإلهي وهذه النسخ والكتب مترتبة في الوجود الابتدائي على ترتيب الأشرف فالأشرف والأقرب من الحق فالأقرب فما في القلم سابق على ما في اللوح المحفوظ وهو سابق على ما في لوح المحو والاثبات وهو سابق على ما في صحيفة الأكوان المكتوبة بمداد المواد الجسمانية الهيولانية وترتيبها في الوجود الأعادي على عكس ترتيبها الابتدائي فيتبع وجودها الحسى وجودها الجسماني المادي ثم يتبعه وجودها المثالي القدري ثم يتبعه وجودها العقلي القضائي التفصيلي ويتبع ذلك وجودها العقلي البسيط القلمي الاجمالي ويتبع ذلك كله العلم الأزلي فيرجع الامر إلى ما كان وهو قوله الله يبدء الخلق ثم يعيده ثم اليه ترجعون.
وهذا أيضا من لطائف صنع الله وحكمته في خلق الانسان الكامل وصيرورته انسانا كبيرا بعد ما كان عالما صغيرا فكان الوجود كله كشخص واحد دار على نفسه وكأنه كتاب كبير فاتحته عين خاتمته والعالم كله تصنيف الله وابتدء بالعقل واختتم بالعاقل كما قال تعالى ا ولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده ان ذلك على الله يسير قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدء الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة ان الله على كل شئ قدير