شئ آخر.
وجاء طمسن وأصحابه فخطأوا ديمقراط وليسوبوس بدعوى إمكان الخلاء وقالوا بامتناع الخلاء فافترضوا الأثير مالئا للخلاء وجعلوا الجواهر الفردة أجزاء من الأثير تدور فيه كالزوابع.
وجاء غوستاف لبون ومن اتبعوا آراءه فقالوا بحدوث الجواهر الفردة وإنها نشأت من تكاثف الأثير في قديم الزمان لسبب لا يعرف وإن المادة تنعدم وتكون قوة والقوة تنعدم وتكون أثيرا فخالف الذين قبله في قولهم إن المادة أزلية وأبدية.
وأما قولك إن حرية النفس تحبذ إلى أخره. فإنه لا ينبغي لذي الرشد والشرف أن يغفل عن أن النفس لها شؤون. فإن النفس إن ساد عليها شرف الانسانية ورقي الشعور نهضت بكل همتها لحفظ حريتها من استعباد الجهل الساقط السافل والأميال الشهوانية البهيمية وتجردت جهد وسعها لحماية شرفها ولحفظ مستقبلها من التهديد حتى تثق باطمئنانها من أخطار السقوط ورأت أن المدنية هو الناموس الذي ينتظم به اجتماع البشر في حفظ شرف الانسانية وحقوقها المعقولة. نعم إذا ساد على النفس شهوانيتها البهيمية حبذت الآراء التي تسهل لها اللذات الوقتية وتلهيها بإغفالها عن كل أدب روحي وكل فضيلة تمتاز بها عن البهائم.
تلك الآراء التي تمنيها الأمان من أخطار التهديدات المهذبة المكملة. ولكن لتأسف كل الأسف أن حريتها الشهوانية المطلقة على مبدأ الآراء المذكورة هي معرقلة بالسلطة السياسية والقوانين البشرية مهما تساهلت. وإما دعارة الفوضوية ووحشيتها وهمجيتها فإن السياسات ضامنة لقطع الآمال منها فلا تمن نفسك بمدنية فوضوية موهومة تصفي لك اللذات على مبدأ الآراء المادية براحة وبدون عراقيل ولا خطر تهديد.
فإنك لا بد لك من أن تخضع لنير السلطة وترزح شهوانيتك تحت قوانين الشرف والمدنية فانظر ما هو الأحسن هل هو التهذب بشرف