ومن أصولهم المسلمة أنه إذا تعارضا تساقطا فبقي الأصل، وهو (الإرسال) كما قال عبد الحي في (فتاواه) عن معاذ: أن رسول الله (ص) إذا كان في الصلاة رفع يديه قبال أذنيه، فإذا كبر أرسلهما (رواه الطبراني)، وعن عمرو بن دينار قال: كان ابن الزبير إذا صلى أرسل يديه (رواه ابن أبي شيبة) (1).
قال الشيخ الدهلوي في (فتح المنان في تأييد مذهب النعمان): مذهب مالك إرسال اليدين، وهو عزيمة عنده، والوضع رخصة.
قال العيني في (شرح كنز الدقائق) قال مالك: العزيمة في الإرسال، والرخصة في الوضع والأخذ لأن النبي (ص) كان يفعل كذلك، وكذا أصحابه حتى ينزل الدم من رؤوس أصابعهم (2).
وقال النووي في شرح مسلم: عن مالك روايتان، أحدهما: يضعهما تحت صدره، والثانية:
يرسلهما ولا يضع أحدهما على الأخرى. وهذه رواية جمهور أصحابه وهي الأشهر عندهم، وهي مذهب الليث بن سعد. وعن مالك أيضا استحباب الوضع في (النفل)، والإرسال في (الفرض)، وهو الذي رجحه البصريون من أصحابه (3).
وفي الروضة الندية: أما ما روى من (الإرسال) عن بعض التابعين من نحو الحسن المتوفى سنة 110 ه، وإبراهيم، وابن المسيب، وابن سيرين المتوفى سنة 110 ه، وسعيد ابن جبير المتوفى سنة 95 ه (كما أخرجه ابن أبي شيبة) فإن بلغ عندهم حديث الوضع فمحمول على أنهم لم يحسبوه سنة من سنن الهدى، بل حسبوه عادة من العادات، فمالوا إلى الإرسال لأصالته مع جواز الوضع، فعملوا بالإرسال بناء على الأصل إذ الوضع أمر جديد يحتاج إلى الدليل (4).
وفي (تنوير العينين): يحكى أن الإمام مالك حكم بالإرسال مع أنه كان مشهورا في القرن الأول، واتفق عليه أكثر العلماء في القرن الأول، واتفق عليه أكثر العلماء في القرون الآخر، وقالوا أيضا: إن هذا الفعل في هذه البلاد تشبيه بالروافض، حيث ترك سوى مذهب الحنيفة فلم يبق فاعلوه غير الشيعة، وقد قال النبي (ص): " اتقوا مواضع التهم ".
قلنا: هذا من قصوركم حيث تركتموه فصار شعارا لهم، فعليكم بالاتفاق على فعله لئلا يبقى مختصا بهم. وترك السنة للتحرز عن التشبيه بالفرق الضالة غير مشروع، (إنتهى ما في تنوير العينين) (5).
وفي الميزان الكبرى للشعراني: قول مالك في (أشهر روايتيه) إنه يرسل يديه إرسالا، ومع قول الأوزاعي أنه يتخير، ثم نقل عن شيخه على الخواص: من عرف من نفسه العجز عن مراعاة كون يديه تحت صدره في الصلاة إلا مع الغفلة عن كمال الإقبال على الله فإرسال يديه بجنبيه أولى، وبه صرح الشافعي في (الأم) فقال: وإن أرسلهما، ولم يعبث بهما فلا بأس (6).