واختلاف الألفاظ في الحديث بأن جاء في رواية: " من كنت وليه فهذا علي وليه "، وفي رواية " من كنت مولاه فعلي مولاه "، وفي رواية " علي ولي كل مؤمن بعدي "، " ووليكم بعدي "، " ومن كنت مولاه فإن عليا بعدي مولاه "، " وأنا ولي كل مؤمن من كنت مولاه فعلي مولاه "، " وأنا أولى بكل مؤمن "، " فهو أولى الناس بكم بعدي " - يعني عليا - يعني عن مزيد تطويل، بل ينادي بأعلى صوت أن لفظ (الولي) في الأحاديث يفسر قوله تعالى " إنما وليكم الله "، ولفظ (الأولى) يفسر قوله تعالى " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم "، ولفظ (بعدي) يرفع الستر عن المعنى على أنه - وإن صرح النبي (ص) في قوله " أخي ووصيي ووارثي وخليفتي ووزيري " بخلافة علي (ع) في وقت نزول آية الإنذار أي " وأنذر عشيرتك الأقربين " - لكنه (ص) أراد أن يجمع جميع صفات خليفته، وما يتعلق به في لفظ واحد بأظهار كمال البلاغة، والفصاحة، ونطق بقوله (مولاه) لأنه يجمع المعاني المذكورة.
وأما أخذهم معنى (المحبة) فقط دون المعاني المذكورة فلا يخلو عن تعصب وإشكالات، لأن المحاباة بين المؤمنين كلهم فضلا عن الصحابة من الواجبات، فليس له وجه خاص لعلي (ع) على أنه (ص) صرحه وخصه سابقا في مواضع كثيرة، لأن حبه إيمان، وبغضه نفاق وكفر (كما قال غير مرة)، لكونه أمير المؤمنين، وقد أمر الله تعالى بمودة القربى فلا وجه بإيراد لفظ مشترك المعاني، ولا يساعده تقييد الزمان، أي من (بعدي)، لأنه لا يجب في زمان دون زمان، بل يجب في كل زمان، فيكون قيد (بعدي) لغوا، (نعوذ بالله).
ويؤيد ما قلنا: جمع النبي (ص) جميع من معه سابقا ولا حقا، وخطب خطبة (الوداع) على رأس (المنبر) المصنوع له بقوله: " أدعى فأجيب "، ونحوه، وهو من آخر وصاياه، وأخذه بيد علي (ع) ورفعه من الأرض إلى فوق لينظر من كان، ويرتفع الاشتباه بقوله: هذا علي (ع) بالتخصيص، وعدم اكتفائه على مجرد اسمه الشريف لإتمام الحجة، وتعميمه إياه بيده، وسدله طرفي عمامته على منكبيه، لأن هذه الأمور لا تدل إلا على واقعة عظيمة، منتجة لحكم كبير مميزة عما سواها، والمودة المحصنة لا تقتضي مثل هذه الأمور.
فظهر أن متولي الأمور هو الذي حكمه نافذ، وإطاعته واجبة مطلقا هو الله، ورسوله، ثم وصيه، فمن أجل ذلك أتم الحجة البالغة، ووصى بها بأشد توكيد.
وتؤيده أيضا الأحاديث الدالة على فضل علي (ع) على غيره من قوله عليه السلام: " الحق مع علي وعلي مع الحق "، " وعلي مع القرآن، والقرآن مع علي "، و " اللهم أدر الحق معه حيث دار "، و " من شاء العلم فليأت من الباب " قاله في حق باب مدينة العلم.
وقوله " بك يهتدي المهتدون "، " وتجدوه هاديا مهديا يأخذ أو يسلك بكم الصراط المستقيم "، وكونه أعلم، وأقضى، وأتقى، وأشجع، وأسبق الإيمان، وغير ذلك مؤيد لما قلنا. ولا يخفى أن لفظ (المولى) يجئ لمعان مذكورة كما في قوله تعالى " وردوا إلى الله مولاهم الحق "، ففي تفسير البيضاوي: (مولاهم) أي ربهم، ومتولي أمرهم (1). وفي المعالم: الذي يتولي ويملك أمرهم (2).