وقد مر أن عليا (ع) جمع القرآن وحده، ولم يحتج إلى شهادة رجلين ولا بتحليف أحد لعلمه علم اليقين فثبت أنه كان أعلم بالقرآن لأخذه العلم من النبي (ص)، وكونه باب العلوم. أخرج ابن أبي داود عن محمد بن سيرين قال لما توفي رسول الله (ص) أبطأ علي (ع) عن بيعة أبي بكر (إلى أن قال) آليت (من الإيلاء أي حلفت) أن لا أرتدي ردائي إلا الصلاة حتى أجمع القرآن، فزعموا أنه كتبه على تنزيله فقال محمد: لو أصيب ذلك الكتاب كان فيه العلم، وأما الذين جمعوا القرآن (غير علي - ع -) فأنهم جمع الناس (1).
وأشهدوا عليهم وحلفوهم، وإذا سمعوا أن (فلأنا) يعلم (آية) أرسلوا إليه، ولو كان على ثلاثة أميال فصاعدا. كما في الإتقان: أمر عثمان أن اجتمعوا، فاكتبوا للناس إماما، فاجتمعوا فكتبوا، فكانوا إذا اختلفوا، وتدارؤا في أي آية قالوا هذه أقرأها رسول الله (فلانا) فيرسل إليه، وهو على رأس ثلاث من المدينة فيقال له: كيف أقرأك رسول الله آية (كذا) و (كذا) فيقول (كذا) و (كذا)، فيكتبونها. وقد تركوا لذلك مكانا (2).
وقد مر ذكر إحراق عثمان المصاحف من البخاري، والنووي، وغيرهما فلا نعيده. وقد جوز فقهاء أهل الجماعة حرق القرآن إلى الآن.
وفي (ترجمان القرآن) عن حسن بن سعيد عن أبيه أن صفية زنت، وادعى رجل من قريش أن الولد له، فجاؤوا عثمان ليحكم بينهم فأمر بردهم إلى علي (ع) فحكم علي (ع) وقال: أنا أحكم كما حكم به النبي (ص): " الولد للفراش وللعاهر الحجر " (3).
الحمد الله على إتمام بيان إيمان الخلفاء، وعلومهم من كتب أهل الجماعة، وهو وإن كان مما لا ينضبط، ولا ينحصر بالكلية لكن القليل مما ذكرناه نموذج للكثير مما لم نذكره، و (الغرفة تنبئ عن البحر الكثير) فأقسطوا إن الله يحب المقسطين.
والآن نشرع في شجاعتهم بعون الله تعالى، وحسن توفيقه لأن الجهاد لما كان من أعظم الامتحانات الإيمانية وأوكدها فريضة، وأشدها ضرورة لما قال الله عز اسمه " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم "، " وأم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم "، " ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين "، " ولنبلو أخباركم "، " إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ".
قد ثبت من هذه الآية أن من ذهب وفر من المعركة بغير إذن النبي (ص) لم يكمل إيمانه، بل زال إيمانه ولزم علينا أن نبين بيان الجهاد (أي جهاد الخلفاء الثلاثة)، وجهاد أمير المؤمنين سيد الأشجعين إمامنا، علي بن أبي طالب (عليه السلام).