ومنها: إن الكتابة كانت واجبة لتعليقه بقوله " لن تضلوا " لا مستحبة كما زعموه، وإلا لم يغضب ولم يقل " قوموا عني ". وأما سكوته (عليه السلام) بعد التنازع فلم يكن من عنده، بل كان بوحي (كما بين في مقامه)، فصار أمر الكتابة منسوخا بالوحي لرفع الفساد حتى لا يتأدى إلى القتال، أو الردة لأن الناس كانوا حديثي عهد بالإسلام فكان انسداد الفساد أنفع، وقد أوصى في آخر ما تكلم " اخلفوني في أهل بيتي "، و " إني مخلف فيكم كتاب ربي وعترتي أهل بيتي " وغير ذلك.
ومنها: إفتاء عمر يوم الخميس في مرضه (عليه السلام) بهذيانه، واختلاط عقله. ويوم الاثنين (أي يوم وفاته) أنكر موته، ولم يذكر قوله تعالى " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل "، و " كل شئ هالك إلا وجهه " و " كل من عليها فآن "، و " إنك ميت "، وقوله (عليه السلام) يوم غدير خم: " إني أدعى فأجيب "، و " إني تارك فيكم "، و " إني رجل سيوشك أن أدعى فأجيب "، و " أيها الناس يوشك أن أقبض سريعا "، وما شابه ذلك.
ومن حذاقة الأطباء الماهرين أنهم قد يفتون بموت المرضى قبل السابع فصاعدا مع أنه قد ثبت أن عمر علم أجل النبي (ص) حين نزلت " إذا جاء نصر الله " كما في الترمذي (1).
لا يقال: إن كان الأمر بالكتابة للوجوب فوجب على علي، والعباس أن يعطياه الكتاب غدا أو بعد غد مع أن قوله " هلموا " كان عاما للحاضرين من الصحابة وأهل بيته، فيرد عليهما ما يرد على عمر وأتباعه.
لأنا نقول: إن منع عمر، وبعض الصحابة، وتنازعهم ثابت، ولم يثبت وجود علي، ولا العباس، ولا أحد من أهل بيته حين سأل النبي (ص) الكتاب كما قال القسطلاني، وغيره وقد مر على أن الكتابة كانت كائنة في حق علي، وتعيين خلافته (كما علم غير مرة) فإن استقدم علي عليها لم يمكن أن يقبل من قال هجر بل اعترض عليه بالهذيان، ولم يفد الكتابة لعلي بإنكار من كانت عليهم الحجة. نعوذ بالله من الطغيان، والعدوان ولا عدوان إلا على الظالمين.
ولا يقال: قد روى مسلم عن عائشة أنه (ص) قال لي في مرضه: ادعي لي أبا بكر أباك وأخاك حتى أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن، ويقول قائل أنا، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر.
(كذا في المشكاة باب مناقب أبي بكر) (2). فهذا الحديث يدل على خلاف ما زعمته الشيعة من تنصيص خلافة علي، وكتابته (عليه السلام) في حقه.
لأنا نقول: إن هذا الحديث موضوع لوجوه:
منها: أنه ما رواه غير عائشة مع أنها كانت بنت أبي بكر. وقد تقرر عندهم أن شهادة الأبن والبنت لا تقبل للأبوين كما رد أبو بكر شهادة الحسنين لفاطمة الزهراء مع أن هذا الحديث تعارضه الأحاديث المتواترة والمشهورة من حديث الثقلين، وما في معناه.
منها: إنكار فاطمة، وسعد بن عباده إلى أن مات عن مبايعة أبي بكر، وكانا من المؤمنين الكاملين.