أقول: لا شك أن النشأة الآخرة، أكمل من هذه النشأة وأنه لا طريق لتفهيم الإنسان حقائق ذاك العالم وغيوبه المستورة عنا إلا باستخدام الألفاظ التي يستعملها الإنسان في الأمور الحسية، وعلى ذلك فلا وجه لحمل الميزان على الميزان المتعارف، خصوصا بعد استعماله في القرآن في غير هذا الميزان المحسوس، قال سبحانه:
(لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط). (1) لا معنى لتخصيص الميزان هنا بما توزن به الأثقال، مع أن الهدف هو قيام الناس بالقسط في جميع شؤونهم العقيدية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وبذلك يعلم أن تفسير الميزان بالعدل، أو بالنبي، أو بالقرآن كلها تفاسير بالمصداق، فليس للميزان إلا معنى واحد هو ما يوزن به الشئ، وهو يختلف حسب اختلاف الموزون من كونه جسما أو حرارة أو نورا أو ضغطا أو رطوبة أو غير ذلك، قال صدر المتألهين:
" ميزان كل شئ يكون من جنسه، فالموازين مختلفة، والميزان المذكور في القرآن ينبغي أن يحمل على أشرف الموازين، وهو ميزان يوم الحساب، كما دل عليه قوله تعالى: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة) وهو ميزان العلوم وميزان الأعمال القلبية الناشئة من الأعمال البدنية ". (2) ولسيدنا الأستاذ العلامة الطباطبائي (قدس سره) في المقام تحقيق