وإنما المنكر واحد منهم، هو ضرار بن عمرو، كما تقدم، وقد انفصل عن المعتزلة، صرح بذلك القاضي عبد الجبار المعتزلي. (1) هذا كله مما لا ريب فيه، إنما الكلام فيما هو المراد هنا من القبر، والإمعان في الآيات الماضية التي استدللنا بها على الحياة البرزخية، والروايات الواردة حول البرزخ، تعرب بوضوح عن أن المراد من القبر، ليس هو المكان الذي يدفن فيه الإنسان، ولا يتجاوز جثته في السعة، وإنما المراد منه هو النشأة التي يعيش فيها الإنسان بعد الموت وقبل البعث، وإنما كني بالقبر عنها، لأن النزول إلى القبر يلازم أو يكون بدءا لوقوع الإنسان فيها.
والظاهر من الروايات تعلق الروح بأبدان تماثل الأبدان الدنيوية، لكن بلطافة تناسب الحياة في تلك النشأة، وليس التعلق بها ملازما لتجويز التناسخ، لأن المراد من التناسخ هو رجوع الشئ من الفعلية إلى القوة، أعني عودة الروح إلى الدنيا عن طريق النطفة، فالعلقة، فالمضغة إلى أن تصير إنسانا كاملا، وهذا منفي عقلا وشرعا، كما تقدم، ولا يلزم هذا في تعلقها ببدن ألطف من البدن المادي، في النشأة الثانية.
قال الشيخ البهائي:
" قد يتوهم أن القول بتعلق الأرواح، بعد مفارقة أبدانها العنصرية، بأشباح أخر - كما دلت عليه الأحاديث - قول بالتناسخ، وهذا توهم سخيف، لأن التناسخ الذي أطبق المسلمون على بطلانه، هو تعلق الأرواح بعد خراب أجسادها، بأجسام أخر في هذا العالم، وأما القول بتعلقها في عالم آخر، بأبدان مثالية، مدة البرزخ، إلى أن تقوم قيامتها الكبرى، فتعود