براء منه، بل البداء عندهم كما عرفت تغيير التقدير المشترط من الله تعالى، بالفعل الصالح والطالح، فلو كان هناك ظهور بعد الخفاء فهو بالنسبة إلينا لا بالنسبة إلى الله تعالى، بل هو بالنسبة إليه إبداء ما خفي وإظهاره، ولو أطلق عليه البداء من باب التوسع.
اليهود وإنكار النسخ والبداء ثم إن المعروف من عقيدة اليهود أنهم يمنعون النسخ سواء كان في التشريع والتكوين، أما النسخ في التشريع فقد استدلوا على امتناعه بوجوه مذكورة في كتب أصول الفقه مع الجواب عنها، وأما النسخ في التكوين وهو تمكن الإنسان من تغيير مصيره بما يكتسبه من الأعمال بإرادته واختياره، فقد استدلوا على امتناعه بأن قلم التقدير والقضاء إذا جرى على الأشياء في الأزل استحال أن تتعلق المشيئة بخلافه.
وبعبارة أخرى: ذهبوا إلى أن الله قد فرغ من أمر النظام وجف القلم بما كان فلا يمكن لله سبحانه محو ما أثبت وتغيير ما كتب أولا.
وهذا المعنى من النسخ الذي أنكرته اليهود هو بنفسه كما ترى حقيقة البداء بالمعنى الذي يعتقده الشيعة الإمامية كما عرفت، فإنكاره من العقائد اليهودية التي تسرت إلى المجتمعات الإسلامية في بعض الفترات واكتسى ثوب العقيدة الإسلامية، مع أن القرآن الكريم يرد على اليهود في عقيدتهم هذه ويقول:
(يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب). (1) ويقول أيضا:
(كل يوم هو في شأن). (2)