حاصر، فإن هاهنا شقا ثالثا وهو إتيانهم بما لا يصل إليه العقل بالطاقات الميسورة له، فإنك قد عرفت فيما أقمنا من الأدلة على لزوم البعثة، أن عقل الإنسان وتفكره قاصر عن نيل الكثير من المسائل.
الدليل الثاني قد دلت الدلائل العقلية على أن للعالم صانعا عالما قادرا حكيما، وأنه أنعم على عباده نعما توجب الشكر، فننظر في آيات خلقه بعقولنا، ونشكره بآلائه علينا، وإذا عرفناه وشكرنا له، استوجبنا ثوابه، وإذا أنكرناه وكفرنا به، استوجبنا عقابه، فما بالنا نتبع بشرا مثلنا؟!
والجواب عنه بوجهين:
الأول: إن كثيرا من الناس لا يعرفون كيفية الشكر، فربما يتصورون أن عبادة المقربين نوع شكر لله سبحانه، فلأجل ذلك ترى عبدة الأصنام و الأوثان يعتقدون أن عبادتهم للمخلوق شئ موجب للتقرب. (1) الثاني: إن تخصيص برامج الأنبياء بالأمر بالشكر والنهي عن كفران النعمة، غفلة عن أهدافهم السامية، فإنهم جاءوا لإسعاد البشر في حياتهم الفردية والاجتماعية، ولا تختص رسالتهم بالأوراد والأذكار الجافة، كتلك التي يرددها أصحاب بعض الديانات أيام السبت والأحد في البيع والكنائس، وإنك لتقف على عظيم أهداف رسالة النبي الأكرم ص إذا وقفت على كلمته المأثورة:
" إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ". (2)