كما أن في القرآن آيات مشتملة على الأوامر والنواهي الإلهية، وتدل على مجازاته على تلك الأوامر والنواهي، فلو لم يكن للإنسان دور في ذلك المجال وتأثير في الطاعة والعصيان فما هي الغاية من الأمر والنهي وما معنى الجزاء والعقوبة؟
التفسير الصحيح للتوحيد في الخالقية إن المقصود من حصر الخالقية بالله تعالى هو الخالقية على سبيل الاستقلال وبالذات، وأما الخالقية المأذونة من جانبه تعالى فهي لا تنافي التوحيد في الخالقية. كما أن المراد من السببية الإمكانية (أعم من الطبيعية وغيرها) ليست في عرض السببية الإلهية، بل المقصود أن هناك نظاما ثابتا في عالم الكون تجري عليه الآثار الطبيعية والأفعال البشرية، فلكل شئ أثر تكويني خاص، كما أن لكل أثر وفعل مبدأ فاعليا خاصا، فليس كل فاعل مبدأ لكل فعل، كما ليس كل فعل وأثر صادرا من كل مبدأ فاعلي، كل ذلك بإذن منه سبحانه، فهو الذي أعطى السببية للنار كما أعطى لها الوجود، فهي تؤثر بإذن وتقدير منه سبحانه، هذا هو قانون العلية العام الجاري في النظام الكوني الذي يؤيده الحس والتجربة وتبتني عليه حياة الإنسان في ناحية العلم والعمل.
وبهذا البيان يرتفع التنافي البدئي بين طائفتين من الآيات القرآنية، الطائفة الدالة على حصر الخالقية بالله تعالى، والطائفة الدالة على صحة قانون العلية والمعلولية واستناد الآثار إلى مبادئها الغريبة، والشاهد على صحة هذا الجمع، لفيف من الآيات وهي التي تسند الآثار إلى أسباب كونية خاصة وفي عين الوقت تسندها إلى الله سبحانه، وكذلك تسند بعض