ومن هنا تعرف أن القول بالبداء من صميم الدين ولوازم التوحيد والاعتقاد بعمومية قدرته سبحانه، وإنه من مقاديره وسننه السائدة على حياة الإنسان من غير أن يسلب عنه الاختيار في تغيير مصيره، فكما أنه سبحانه، كل يوم هو في شأن، ومشيئته حاكمة على التقدير، وكذلك العبد مختار له أن يغير مصيره ومقدره بحسن فعله، ويخرج نفسه من عداد الأشقياء ويدخلها في عداد السعداء، كما أن له عكس ذلك.
فالله سبحانه:
(لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). (1) فهو تعالى إنما يغير قدر العبد بتغيير منه بحسن عمله أو سوئه، ولا يعد تغيير التقدير الإلهي بحسن الفعل أو سوئه معارضا لتقديره الأول سبحانه، بل هو أيضا جزء من قدره وسننه.
التقدير المحتوم والموقوف قد أشرنا سابقا إلى أن التغيير إنما يقع في التقدير الموقوف دون المحتوم، وهذا ما يحتاج إلى شئ من البيان فنقول:
إن لله سبحانه تقديرين، محتوما وموقوفا، والمراد من المحتوم ما لا يبدل ولا يغير مطلقا، وذلك كقضائه سبحانه للشمس والقمر مسيرين إلى أجل معين، وللنظام الشمسي عمرا محددا، وتقديره في حق كل إنسان بأنه يموت، إلى غير ذلك من السنن الثابتة الحاكمة على الكون والإنسان.
والمراد من التقدير الموقوف الأمور المقدرة على وجه التعليق، فقدر