وأما إنها ملائمة لمصالح الإنسان أو غير ملائمة له، فلا صلة له ببرهان النظم الذي بصدد إثبات أن هناك مبدئا وفاعلا لعالم الطبيعة ذا علم وقدرة وإرادة، وأما سائر صفاته كالوجوب الذاتي، والعدل والحكمة ونحوها فلإثباتها طرق أخر، وسيجئ البحث عنها في الفصول القادمة فانتظره.
الإشكال الثالث ماذا يمنع من أن نعتقد بأن النظام السائد في عالم الطبيعة حاصل من قبل عامل كامن في نفس الطبيعة، أي أن النظام يكون ذاتيا للمادة؟ إذ لكل مادة خاصية معينة لا تنفك عنها، وهذه الخواص هي التي جعلت الكون على ما هو عليه الآن من النظام.
ويرده أن غاية ما تعطيه خاصية المادة هي أن تبلغ بنفسها فقط إلى مرحلة معينة من التكامل الخاص والنظام المعين - على فرض صحة هذا القول - لا أن تتحسب للمستقبل وتتهيأ للحاجات الطارئة، ولا أن تقيم حالة عجيبة ورائعة من التناسق والانسجام بينها وبين الأشياء المختلفة والعناصر المتنافرة في الخواص والأنظمة.
ولنأت بمثال لما ذكرناه، وهو مثال واحد من آلاف الأمثلة في هذا الكون، هب أن خاصية الخلية البشرية عندما تستقر في رحم المرأة، هي أن تتحرك نحو الهيئة الجنينية، ثم تصير إنسانا ذا أجهزة منظمة، ولكن هناك في الكون في مجال الإنسان تحسبا للمستقبل وتهيئوا لحاجاته القادمة لا يمكن أن يستند إلى خاصية المادة، وهو أنه قبل أن تتواجد الخلية البشرية في رحم الأم وجدت المرأة ذات تركيبة وأجهزة خاصة تناسب حياة الطفل ثم تحدث للأم تطورات في أجهزتها البدنية والروحية مناسبة لحياة الطفل وتطوراته.