الفصل الأول التحسين والتقبيح العقليان إن العدل عند المتكلمين عبارة عن تنزهه تعالى عن فعل ما لا ينبغي، وهذا أحد معاني الحكمة، فالعدل الحكيم هو الذي لا يفعل القبيح ولا يخل بالحسن، والتصديق بثبوت هذه الصفة للباري تعالى مبني على القول بالتحسين والتقبيح العقليين، فإن مفاد تلك المسألة أن هناك أفعالا يدرك العقل كونها حسنة أو قبيحة، ويدرك أن الغني بالذات منزه عن الاتصاف بالقبيح وفعل ما لا ينبغي، ومن هنا يلزمنا البحث عن تلك المسألة على ضوء العقل والكتاب العزيز فنقول:
ذهبت العدلية إلى أن هناك أفعالا يدرك العقل من صميم ذاته من دون استعانة من الشرع أنها حسنة وأفعالا أخرى يدرك أنها قبيحة كذلك، وقالت الأشاعرة: لا حكم للعقل في حسن الأشياء وقبحها، فلا حسن إلا ما حسنه الشارع ولا قبيح إلا ما قبحه، والنزاع بين الفريقين دائر بين الإيجاب الجزئي والسلب الكلي، فالعدلية يقولون بالأول والأشاعرة بالثاني.
إطلاقات الحسن والقبح وملاكاتهما لا شك أن للحسن والقبح معنى واحدا، وإنما الكلام في ملاك كون