الفصل التاسع الأمر بين الأمرين قد عرفت أن المجبرة جنحوا إلى الجبر لأجل التحفظ على التوحيد الأفعالي وحصر الخالقية في الله سبحانه، كما أن المفوضة انحازوا إلى التفويض لغاية التحفظ على عدله سبحانه، وكلا الفريقين غفلا عن نظرية ثالثة يؤيدها العقل ويدعمها الكتاب والسنة، وفيها الحفاظ على كل من أصلي التوحيد والعدل، مع نزاهتها عن مضاعفات القولين، وهذا هو مذهب الأمر بين الأمرين الذي لم يزل أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يحثون عليه، من لدن حمى وطيس الجدال في أفعال الإنسان من حيث القضاء والقدر أو غيرهما، وأما حقيقة هذا المذهب فتتعين في ظل أصلين عقليين برهن عليهما في الفلسفة الأولى وهما:
1. كيفية قيام المعلول بالعلة إن قيام المعلول بالعلة ليس من قبيل قيام العرض بموضوعه أو الجوهر بمحله، بل قيامه بها يرجع إلى معنى دقيق يشبه قيام المعنى الحرفي بالمعنى الاسمي في المراحل الثلاث: التصور، والدلالة والتحقق،