4. المؤمنون به إن لنفسيات المؤمنين بمدعي النبوة وحواريه، دلالة خاصة على صدقه فيما يدعيه، وذلك أن أقرباء المدعي وبطانته إذا آمنوا به، واتبعوا دعوته، وبلغوا فيها مراتب عالية من التقوى والورع، كان هذا دالا على صدق المدعي في ظاهره وباطنه، وعدم التوائه وكذبه، لأن الباطن لا يمكن أن يخفى عن الأقرباء والبطانة.
هذه القرائن وما يشابهها إذا اجتمعت في مدعي النبوة، ودعواه التي يدعيها، كانت دليلا قاطعا على صدقه، فإن كل واحدة من القرائن، وإن كانت قاصرة عن إفادة اليقين، إلا أنها بمجموعها تفيده.
أول من طرق هذا الباب إن أول من طرق هذا الباب، وجعل القرائن المفيدة للقطع بصدق المدعي، دليلا على صحة الدعوى، هو قيصر الروم، فإنه عندما كتب إليه النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) رسالة يدعوه فيها إلى اعتناق دينه الذي أتى به، أخذ - بعد استلامه الرسالة - يتأمل في عبارات الرسول، وكيفية الكتابة، حتى وقع في نفسه احتمال صدق الدعوى، فأمر جماعة من حاشيته بالتجول في الشام والبحث عمن يعرف الرسول عن قرب، ومطلع على أخلاقه وروحياته، فانتهى البحث إلى العثور على أبي سفيان وعدة كانوا معه في تجارة إلى الشام، فأحضروا إلى مجلس قيصر، فطرح عليهم الأسئلة التالية:
* قيصر: كيف نسبه فيكم؟
- أبو سفيان: محض، أوسطنا نسبا.
* قيصر: أخبرني، هل كان أحد من أهل بيته يقول مثل ما يقول، فهو يتشبه به؟