لطيف استظهره من الآيات القرآنية وحاصله: " أن ظاهر آيات الميزان (1) هو أن الحسنات توجب ثقل الميزان والسيئات خفته فإنها تثبت الثقل في جانب الحسنات دائما والخفة في جانب السيئات دائما، لا أن توزن الحسنات فيؤخذ ما لها من الثقل ثم السيئات ويؤخذ ما لها من الثقل، ثم يقاس الثقلان فأيهما كان أكثر كان القضاء له، ولازمه صحة فرض أن يتعادل الثقلان كما في الموازين الدائرة بيننا من ذي الكفتين والقبان وغيرهما.
ومن هنا يتأيد في النظر أن هناك أمرا آخر تقاس به الأعمال، والثقل له، فما كان منها حسنة انطبق عليه ووزن به وهو ثقل الميزان، وما كان منها سيئة لم ينطبق عليه ولم يوزن به وهو خفة الميزان، كما نشاهده فيما عندنا من الموازين، فإن فيها مقياسا وهو الواحد من الثقل كالمثقال يوضع في إحدى الكفتين ثم يوضع المتاع في الكفة الأخرى، فإن عادل المثقال وزنا بوجه على ما يدل عليه الميزان أخذ به وإلا فهو الترك لا محالة والمثقال في الحقيقة هو الميزان الذي يوزن به، وأما القبان، وذو الكفتين ونظائرهما فهي مقدمة لما يبينه المثقال من حال المتاع الموزون به ثقلا وخفة.
ففي الأعمال واحد مقياس توزن به، فللصلاة مثلا ميزان توزن به وهي الصلاة التامة التي هي حق الصلاة، وللزكاة والإنفاق نظير ذلك، وللكلام والقول حق القول الذي لا يشتمل على باطل، وهكذا كما يشير إليه قوله تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته). (2) فالله سبحانه يزن الأعمال يوم القيامة بالحق، فما اشتمل عليه العمل من الحق فهو وزنه وثقله.