من الكذب، وإنقاذه أحسن من الصدق، فيحكم العقل بترك الصدق وارتكاب الكذب قضاء لتقديم الأرجح على الراجح، فإن تقديم الراجح على الأرجح قبيح عند العقل.
الدليل الثالث إن القول بالتحسين والتقبيح العقليين دخالة في شؤون رب العالمين الذي هو مالك كل شئ حتى العقل، فله أن يتصرف في ملكه كيف يشاء، ولازم القول بأن العقل حاكم بحسن بعض الأفعال وقبحه تحديد لملكه وقدرته سبحانه.
ويرده أن العقل ليس فارضا على الله تعالى شيئا وإنما هو كاشف عن القوانين السائدة على أفعاله تعالى، فالعقل يطالع أولا صفات الله الكمالية كالغنى الذاتي، والعلم والقدرة الذاتيين، ثم يستنتج منها تنزهه عن ارتكاب القبائح، وهذا كما أن العقل النظري يكشف عن القوانين السائدة على نظام الكون وعالم الطبيعة.
وبالتأمل فيما ذكرنا يظهر ضعف سائر ما استدل به القائلون بنفي التحسين والتقبيح العقليين ولا نرى حاجة في ذكرها وبيان وجوه الخلل فيها. (1) التحسين والتقبيح في الكتاب العزيز إن التدبر في آيات الذكر الحكيم يعطي أنه يسلم استقلال العقل بالتحسين والتقبيح خارج إطار الوحي ثم يأمر بالحسن وينهى عن القبيح، وإليك فيما يلي نماذج من الآيات في هذا المجال.