أقول: ما ذكره الشريف هو الصحيح وما ذكره المشهور سبب إلهي لتحقق العصمة، فالحق أن العصمة غصن من دوحة التقوى، وهي ملكة نفسانية راسخة في النفس، تمنع الإنسان عن المعصية مطلقا، فهي من سنخ التقوى لكنها درجة قصوى منها، فالتقوى في العاديين من الناس، كيفية نفسانية تعصم صاحبها عن اقتراف كثير من القبائح والمعاصي، فهي إذا ترقت في مدارجها وعلت في مراتبها، تبلغ بصاحبها درجة العصمة الكاملة والامتناع المطلق عن ارتكاب أي قبيح من الأعمال، بل يمنعه حتى التفكير في خلاف أو معصية.
عصمة الأنبياء في تلقي الوحي وإبلاغه ذهب جمهور المتكلمين من السنة والشيعة إلى عصمة الأنبياء في هذه المرحلة. والعصمة في هذه المرحلة على وجهين: أحدهما: العصمة عن الكذب، والثاني: العصمة عن الخطأ سهوا في تلقي الوحي ووعيه وأدائه، وما سيجئ من الدليل الأول على إثبات العصمة عن المعصية، يثبت عصمتهم في هذا المجال، ولأجل ذلك اكتفى به المحقق الطوسي في إثبات العصمة على الإطلاق، فإن الوثوق التام بالأنبياء لا يحصل إلا بالإذعان البات بمصونيتهم عن الخطأ في تلقي الوحي وتحمله وأدائه، عمدا وسهوا.
أضف إلى ذلك أن تجويز الخطأ في التبليغ ولو سهوا ينافي الغرض من الرسالة، أعني: إبلاغ أحكام الله تعالى إلى الناس.
ويدل على عصمة الأنبياء في هذا المجال قوله تعالى:
(عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا * إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا * ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم