فبأي شكل كان يريد المحافظة على الحديث؟ إذا هو يمنع من جهة نقله وتداوله والمذاكرة به، ويمنع من جهة أخرى كتابته وضبطه وتدوينه وتقييده؟؟!
هل هناك معلم أمين يحث تلاميذه على العلم، ويحرص على محافظة طلابه على المعلومات، لكنه يوصيهم بعدم المذاكرة بها، وعدم الكتابة لها؟؟!
أو أن الذي يريد إضاعة الحديث وإبادة السنة يقوم بأمر غير منع كتابته من جانب، ومنع تداوله ونقله من جانب آخر؟!
وثالثا:
إن محاولة إظهار عمر - وهو المانع للصحابة من الحديث والرواية - بمظهر المحافظ على الحديث المتثبت فيه، تستلزم - بوضوح - أن يكون الصحابة الممنوعون - وفيهم كبار أجلاء مثل أبي ذر الغفاري، وأبي مسعود الأنصاري، وغيرهما، وهم الذين لم يأبهوا بمنع عمر، فلم يزالوا مستمرين على الإكثار من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حتى التجأ عمر إلى جلبهم إلى المدينة، من الآفاق وحبسهم عنده بالإقامة الجبرية.
إن تلك المحاولات تستلزم أن يكون هؤلاء - كلهم - لم يحافظوا على الحديث، ولم يتثبتوا فيه، ولم يحتاطوا له، بل فرطوا فيه.
إن مثل هذا الالتزام تجرؤ على مقام أولئك الصحابة الكرام، الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه.