أقول: مع أن الحديث منقول بأسانيد أخرى وفيها الصحاح، ولا تنحصر روايته بهذا السند، بل إن حديث منع عمر للصحابة من الحديث مشهور معروف، لا يحتاج إلى ملاحظة أسانيده.
وأما تأويله للحديث على احتمال صحته والاتفاق عليه بأنه:
يخرج على أن من شك في شئ تركه.
ففيه: أنه تخريج بعيد، لأنه لا يرتبط بأمر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذي سمعه الصحابة منه، وحاولوا نشره وإذاعته، ولا بمنع عمر لهم عن ذلك إلى حد التشديد والحبس.
فلا الصحابة كانوا شاكين في ما يروون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حتى يتركوه، ولا عمر كان شاكا في شئ مما يفعل من المنع والحبس حتى يتركه.
وإذا صح الحديث بأن عمر قد حبس الصحابة ومنعهم عن الرواية، فلا بد من النظر في مدى موافقة ذلك العمل للنصوص الثابتة الدالة على جواز الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجوازها في كل عصر ومصر، بل ضرورة ذلك ولزومه، الذي هو من بديهيات الإسلام، وهو أوضح من النهار - كما ذكر ابن عبد البر - ونعم ما قال في نهاية كلامه المذكور، ونصه: ولو كان مذهب عمر ما ذكرناه، لكانت الحجة في قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، دون قوله، فهو القائل: نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها... (1).