" قال: الباب الثالث في أن ذم البدع والمحدثات عام لا يخص محدثة دون غيرها - إلى أن قال: - فاعلموا - رحمكم الله - أن ما تقدم من الأدلة حجة في عموم الذم من أوجه:
أحدها: أنها جاءت مطلقة عامة على كثرتها لم يقع فيها استثناء البتة، ولم يأت فيها ما يقتضي أن منها ما هو هدى، ولا جاء فيها: كل بدعة ضلالة إلا كذا وكذا. ولا شئ من هذه المعاني، فلو كان هنالك محدثة يقتضي النظر الشرعي فيها الاستحسان، أو أنها لاحقة بالمشروعات، لذكر ذلك في آية أو حديث، لكنه لا يوجد، فدل على أن تلك الأدلة بأسرها على حقيقة ظاهرها من الكلية التي لا يتخلف عن مقتضاها فرد من الأفراد.
الثاني: أنه قد ثبت في الأصول أن كل قاعدة كلية أو دليل شرعي كلي إذا تكررت في مواضع كثيرة وأتى بها شواهد على معان أصولية أو فروعية ولم يقترن بها تقييد ولا تخصيص، مع تكررها وإعادة تقررها، فذلك دليل على بقائها على مقتضى لفظها من العموم كقوله تعالى: * (ألا تزر وازرة وزر أخرى * وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) * (النجم - 38 - 39)، فما نحن بصدده من هذا القبيل إذ جاء في الأحاديث المتعددة أن كل بدعة ضلالة، وأن كل محدثة بدعة، وما كان نحو ذلك من العبارات الدالة على أن البدع مذمومة ولم يأت في آية ولا حديث، تقييد ولا تخصيص، ولا ما يفهم منه خلاف ظاهر الكلية فيها.
الثالث: إجماع السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم على ذمها كذلك وتقبيحها والهروب عنها - إلى أن قال: - فهو بحسب الاستقراء، إجماع ثابت، فدل على أن كل بدعة ليست بحق، بل هي من الباطل.
الرابع: أن متعقل البدعة يقتضي ذلك بنفسه، لأنه من باب مضادة الشارع