والتابعين وقد قال عليه السلام شر الأمور محدثاتها وإياكم ومحدثات الأمور ومن أحدث في ديننا هذا ما ليس منه فهو رد وحاصل الجواب بعد ما قدمنا أنه إن أريد أن البحث عن دليل وجود الصانع وتوحيده والنبوة وغيرها كالمبدأ والمعاد بدعة ومحدث فهو ممنوع إذ القرآن مشحون به وإن أريد أن الاشتغال به على الوجه المتعارف بيننا كذلك فمسلم لكنه أمر حسن قد مست إليه حاجة لم تكن في زمن الصحابة والتابعين وكذلك الأدلة المنصوصة والأمارات الموضوعة للأحكام الفقهية كانت قائمة في زمانهم والملكة المسماة بالفقه حاصلة لآحادهم وإن لم يكن هذا الترتيب والتدوين وبالجملة فمن المبتدعات ما هي حسنة بل بعضها واجب كالاشتغال بالعلوم العربية المتوقف عليه فهم الكتاب والسنة فإن الزمان يختلف والاستعدادات متفاوتة فقد يستدعي الوقت مصلحة يجب على أهلها رعايتها وإن لم تكن فيمن سلف ولذا قال الإمام الرازي ولو بقي الناس على ما كانوا عليه في صدر الإسلام لما أوجبنا الاشتغال بعلم الكلام كما لم يشتغل به الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ولأنه اختلف في صحة إيمان المقلد كما سيأتي توضيحه إن شاء الله وقد اتفقوا على أن الإيمان باللسان من غير تصديق بالقلب لا ينفع ولا تصديق القلب بغير اللسان على قول كما سنبينه بل الإيمان على الجارحتين: القلب واللسان فالقرار والتصديق ركناه وهو المروي عن أبي حنيفة رضي الله عنه لأن اللسان عبارة عن الروح والجسد فيجب لكل منهما حصة من الإيمان وذهب قوم إلى أنه التصديق فقط والقرار باللسان شرط لإجراء الأحكام في الدنيا لأن تصديق القلب أمر باطن فلا بد من علامة تدل عليه وهو النطق فهو شرط لا شطر وبالجملة فتصديق القلب متفق عليه عند أهل السنة والخلاف إنما هو في الإقرار هل هو شرط أو شطر فعلى الأول يكون مؤمنا عند الله لا على الثاني وبالاتفاق لا تجري عليه أحكامه في الدنيا وعلى كل حال فكمال الإيمان وما يتبعه من الأحكام متوقفة على علم الكلام والسلام فإن قيل هل الإيمان مخلوق أم غير مخلوق فالأصح في الجواب أن يقال إن الإيمان إقرار وهداية فالاقرار صنع العبد وهو مخلوق والهداية صنع الرب وهو غير مخلوق فانقياد العبد وقبوله وقوله لا إله إلا الله وإقراره ونحو ذلك وتحريك لسانه وتصديق جنانه مخلوق إذ هو بجميع ذاته وأفعاله مخلوق له تعالى وحصول ذلك بهدايته تعالى وقدرته وتوفيقه وهو تعالى بجميع صفاته غير مخلوق فمن العبد المعرفة والإقرار والطاعة والانقياد ومن الله تعالى التوفيق والتعريف فافهم والله أعلم فإن قلت قد جرت عادة المصنفين الابتداء في مصنفاتهم باسمه باسمه تعالى اقتداء بكتابه العزيز وعملا بخبر كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه ببسم الله فهو أقطع أو أبتر أو أجزم ولا شك أن منظومته هذه أمر ذو بال فلم لم يبدأها باسمه تعالى قلت أتى في أولها بالبسملة لفظا وخطا وهي موجودة في سائر متونه وعليها شرح المقدسي على أنه وإن تركها خطاء لا يقال في مثله إنه تركها لفظا وبه يحصل المودة وما قيل إنه تركها أصلا إشارة إلى عجزه عن أداء شكر الله تعالى وحمده فكلام واه لا يصغى إليه قال الناظم رحمه الله تعالى:
(٧)