بلغة الفقيه - السيد محمد بحر العلوم - ج ٣ - الصفحة ٥٩
ومنها ما قيل من: لزوم خروج المنجز من الأصل اختلال حكمة حصر الوصية في الثلث لامكان التجاء كل من يريد الزيادة في الوصية إلى عقد منجز فيعاوض جميع ماله بدرهم مثلا فرارا " عن رد الوصية.
وفيه: إن جريان مثل ذلك في الفقه غير عزيز بل نظائره أكثر من أن تحصى، فإن بيع الأثمان يعتبر فيه التقابض بخلاف الصلح عليها فيجوز الالتجاء إلى الصلح، وكذلك الربا، بناء على اختصاصه بالبيع، مع ما ذكر في محله من الحيل الشرعية لتحصيل ما يراد أخذه من الربا وكذا التخلص عن حق الشفعة بالصلح، بناء على اختصاصها بالبيع، وعن خيار المجلس بغير البيع من العقود، إلى غير ذلك.
ومنها كونه مقتضى الجمع بين النصوص بالجمع الدلالتي (1) حملا لاطلاق الأحقية ونحوه القاضي بنفوذ جميع التصرفات على التقييد بما دل على المنع عن بعضها من التبرع والمحاباة.

(1) التعارض بمصطلح الأصوليين: هو تنافي الدليلين اللفظيين التأمين من حيث الحجية ولقد اشتهر بينهم أن الجمع بينهما أولى من الطرح إذ بحكم التكاذب بينهما لا يمكن الأخذ بهما معا " فلا بد إذا ". إما من تذويب التكاذب واقعا " بالجمع بينهما، أو اللجوء إلى المرجحات السندية المشهورة الخمسة أو الستة، وأخيرا " فيتساقطان. ولقد بحث الأصوليون طرقا " للجمع بينهما بعضها محل وفاق، وبعضها محل خلاف في الصحة، وأهم طريق متفق عليه في كيفية الجمع الجمع الدلالتي، وهو الجمع العرفي وقد يسمى بالجمع المقبول أي عند العرف، وموارده كثيرة، بعضها أظهر من بعض وربما نوقش في صحة بعضها. ومن موارده المتفق عليها ما إذا كان أحد الدليلين قرينة وشاهدا " على التصرف بمدلول الآخر فيحمل ذلك الآخر عليه فحينئذ يذوب التكاذب واقعا " بين الدليلين وإن كان ظاهرا " بينهما.
ويعم هذا الباب كل موارد تقديم النص على الظاهر أو الأظهر على الظاهر وذلك لأن الجمع العرفي كذلك يخرج الدليلين عن واقعية التكاذب فلا تصل النوبة إلى دور المرجحات السندية لأنها في حال الحيرة ولا حيرة حينئذ. فمن مواد هذا الجمع ما إذا كان بين الدليلين عموم وخصوص من وجه أو مطلق فيقدم الخاص على العام عرفا "، لأقوائية طهوره وهكذا إذا كان بينهما اطلاق وتقييد فيقدم المقيد على المطلق لنفس ملاك الاقوائية في الظهور، وما في المتن إشارة إلى ذلك الجمع.
(٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 ... » »»
الفهرست