فركضوا مسرعين ودخلوا عليهم السقيفة، وهناك حدثت الأحداث الرهيبة، وجرى الصراع المرير والتنازع الحاد، واستطاع المهاجرون بحنكتهم السياسية ودهائهم المعهود أن يشقوا صفوف الأنصار بين الأوس والخزرج ويثيروا الضغائن والحزازات القديمة فيما بينهم، وأخيرا تغلبوا عليهم وقفز أبو بكر على سدة الخلافة بدهائه، وجئ به إلى المسجد يزفونه كما تزف العروس، وكل من يجدوه في الطريق يخطفوا يديه ويمسحوها على يدي أبي بكر لمبايعته بالخلافة، شاء أم أبى.
يجري هذا وعلي بن أبي طالب وأهل بيته وشيعته منهمكون في تجهيز النبي، ذاهلين من شدة المصاب عما يجري في الخارج. وقد ذكرنا ذلك مفصلا في كتابنا " علي في الكتاب والسنة " (1) وفي كتابنا " محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " (2) من موسوعة المصطفى والعترة.
منذ ذلك اليوم وإلى يومنا هذا نمت هذه البذرة نموا سريعا وترعرعت ولقحت وأعطت ثمارها وأصبحت الأمة فرقا وأحزابا ونحلا يضرب بعضهم رقاب البعض ويكفر بعضهم بعضا، كما قال (صلى الله عليه وآله وسلم).
ذكر الشيخ المفيد في إرشاده، أنه قال: " أيها الناس، لألفينكم ترجعون بعدي كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض، فتلقوني في كتيبة كمجر السيل الجرار، ألا وإن علي بن أبي طالب أخي ووصيي يقاتل بعدي على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله " (3).