فأثر قوله هذا في العامة من المسلمين تأثير السحر وأصابهم الذهول والحيرة.
وبهذه الفذلكة السياسية المحنكة استطاع عمر الهيمنة على عقول الناس، وإغفالهم عن الاعتقاد بموت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى ينصرفوا ولا يفكروا في مبايعة خليفته الذي عينه يوم غدير خم قبل وفاته بسبعين يوما، لحين وصول أبي بكر المدينة من السنح.
ولما أحس الأنصار بجدية إقدام المهاجرين لتنفيذ مخططهم التآمري الذي دبروه بليل لتنحية الإمام علي (عليه السلام) عن الخلافة وسبقهم في السيطرة على سدة الحكم وإحساسهم بدنو خيوط مؤامرة الانقلاب من الالتفاف حول أعناقهم، بادروا بعقد اجتماع عام لهم في سقيفتهم - سقيفة بني ساعدة - لانتخاب سعد ابن عبادة الأنصاري زعيما لهم وخليفة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دون المهاجرين، متناسين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وحقه في الخلافة.
ولما وصل أبو بكر من السنح في هذا الخضم المتلاطم بأمواج الأحداث السياسية السريعة، استلم دوره في تنفيذ المخطط وأخذ زمام المبادرة بيده فدخل حجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو لا يزال مسجى على سريره، فكشف عن وجهه الشريف، ثم خرج إلى الناس وقال: من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ثم قرأ الآية الشريفة: وما محمد... الخ.
وخمد عمر ولم ينبس ببنت شفة؛ لأن دوره قد انتهى، وقال: والله لكأني ما سمعت بهذه الآية.
وجاء من يخبر أبا بكر وعمر وغيرهما بأن الأنصار مجتمعون في سقيفة بني ساعدة لانتخاب سعد بن عبادة خليفة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دونهم.