ولا يبلغ كنهه أحد، فاشغلوا ألسنتكم بذلك عما نهى الله عنه من أقاويل الباطل التي تعقب أهلها خلودا في النار لمن مات عليها ولم يتب إلى الله منها ولم ينزع عنها.
وعليكم بالدعاء، فإن المسلمين لم يدركوا نجاح الحوائج عند ربهم بأفضل من الدعاء والرغبة إليه والتضرع إلى الله والمسألة له، فارغبوا في ما رغبكم الله فيه، وأجيبوا الله إلى ما دعاكم إليه لتفلحوا وتنجحوا من عذاب الله، وإياكم وأن تشره أنفسكم إلى شيء حرم الله عليكم فإنه من انتهك ما حرم الله عليه ههنا في الدنيا حال الله بينه وبين الجنة ونعيمها ولذتها وكرامتها القائمة الدائمة لأهل الجنة أبد الآبدين. واعلموا أنه بئس الحظ الخطر لمن خاطر بترك طاعة الله وركوب معصيته، فاختار أن ينتهك محارم الله في لذات دنيا منقطعة زائلة عن أهلها على خلود نعيم في الجنة ولذاتها وكرامة أهلها. ويل لأولئك، ما أخيب حظهم، وأخسر كرتهم، وأسوأ حالهم عند ربهم يوم القيامة! استجيروا الله أن يجريكم في مثالهم أبدا، وأن يبتليكم بما ابتلاهم به، ولا قوة لنا ولكم إلا به.
فاتقوا الله: أيتها العصابة الناجية، إن أتم الله لكم ما أعطاكم، فإنه لا يتم الأمر حتى يدخل عليكم مثل الذي دخل على الصالحين قبلكم، وحتى تبتلوا في أنفسكم وأموالكم، وحتى تسمعوا من أعداء الله أذى كثيرا فتصبروا وتعركوا بجنوبكم، وحتى يستذلوكم ويبغضوكم، وحتى يحملوا عليكم الضيم فتحتملوه منهم، تلتمسون بذلك وجه الله والدار الآخرة، وحتى تكظموا الغيظ الشديد في الأذى في الله يجترمونه إليكم، وحتى يكذبوكم بالحق ويعادوكم فيه ويبغضوكم عليه فتصبروا على ذلك منهم، ومصداق ذلك كله في كتاب الله تعالى الذي أنزله جبرئيل على نبيكم، سمعتم قول الله تعالى لنبيكم (صلى الله عليه وآله وسلم): (فاصبر كما صبر أولوا العزم