المعرفة المقصرة إلى حق معرفة الله، كما قال في كتابه: ﴿ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون﴾ (1) فمن شهد شهادة الحق لا يعقد عليه قلبه ولا يبصر ما يتكلم به، لا يثاب عليه مثل ثواب من عقد عليه قلبه على بصيرة فيه، كذلك من تكلم بجور لا يعقد عليه قلبه لا يعاقب عليه عقوبة من عقد عليه قلبه وثبت على بصيرة. فقد عرف (2) كيف كان حال رجال أهل المعرفة في الظاهر والإقرار بالحق على غير علم في قديم الدهر وحديثه، إلى أن انتهى الأمر إلى نبي الله، وبعده إلى من صاروا (3) أوصياءه وإلى ما انتهت إليه معرفتهم، وإنما عرفوا بمعرفة أعمالهم ودينهم الذي دانوا الله به، المحسن بإحسانه، والمسئ بإساءته. وقد يقال: إنه من دخل (4) هذا الأمر بغير يقين ولا بصيرة خرج منه كما دخل فيه. رزقنا الله وإياك معرفة ثابتة على بصيرة.
وأخبرك أني لو قلت: إن الصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج والعمرة والبيت الحرام والمسجد الحرام والمشعر الحرام والطهور والاغتسال من الجنابة وكل فريضة كان ذلك هو النبي الذي جاء به من عند ربه لصدقت؛ لأن ذلك كله إنما يعرف بالنبي، ولولا معرفة ذلك النبي والإيمان به والتسليم له ما عرفت ذلك، فذلك من من الله على من يمن عليه، ولولا ذلك لم يعرف شيئا من هذا. فهذا كله ذلك النبي وأصله، وهو فرعه، وهو دعاني إليه، ودلني عليه، وعرفنيه وأمرني به،