وبهذا نكتفي عن ذكر أقوال بقية العلماء الآخرين، وسنذكر في موضع آخر آراء علماء العصر من المسلمين وغيرهم، ويلزمنا التنبيه على شيء مر ذكره في بعض هذه الأقوال وهو نسبة الزجر والفأل إلى الإمام الصادق (عليه السلام)، وهذا من الخطأ والاشتباه، وإنما كان الإمام يستشف ما وراء الحجب باستقراء الحوادث السياسية، وينظر المستقبل بحكمته وصفاء باطنه، يخبر بالحوادث قبل وقوعها، وقد أخبر بأن الخلافة للسفاح ومن بعده للمنصور وتبقى في أولاده من بعده، وأخبر بمقتل محمد وإبراهيم على يد المنصور، وكان معارضا لبيعة محمد في المؤتمر الذي عقده الهاشميون من عباسيين وعلويين لبيعة محمد بن عبد الله، وقال لعبد الله ابن الحسن: لا تفعلوا فإن الأمر لم يأت بعد، فقال عبد الله: لقد علمت خلاف ما تقول. قال الصادق: لا، ولكن هذا وأبناؤه دونك، وضرب بيده على أبي العباس. ثم نهض فأتبعه عبد الصمد بن علي وأبو جعفر المنصور فقالا له:
أتقول ذلك؟ قال: نعم أقوله والله وأعلمه.
وليس في وسعنا بسط القول في علمهم (عليهم السلام) وانكشاف حقائق الأشياء لهم، فقد أخبروا بكثير من الحوادث قبل وقوعها، وقد صدر عن الصادق كثير من ذلك مما لا يتسع المجال لذكره.
وأما نسبة الزجر والفأل إليه فهو خطأ نشأ من اشتباه في الاسم وتقارب في الزمن، وذلك أن جعفر بن محمد البلخي المعروف بأبي معشر الفلكي كان مشهورا بالزجر والفأل وأستاذ عصره في التنجيم، ونقل الناس أخباره وشاع ذكره.
وقال ابن كثير: والظاهر أن الذي نسب إلى جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) من علم الجفر والفأل واختلاج الأعضاء إنما هو منسوب إلى جعفر بن أبي معشر