من كرامة الخلافة إلى مجالسة الغانيات وعقد حلقات الشرب في مجلس حكمه، وألبس الكلاب والقرود جلاجل الذهب، والمئات من المسلمين صرعى الجوع والحرمان (1)، وأصبحت الأمة الإسلامية في حالة سيئة، حتى لم يحتمل الإمام الحسين (عليه السلام) السكوت والصبر، فنهض منتصرا للدين والحق، وآمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر حتى أريق في سبيل الإسلام دمه، واستبيح حريمه.
ومن بعده انتقلت زعامة مدرسة أهل البيت إلى ولده الإمام السجاد علي ابن الحسين زين العابدين (عليه السلام)، وهو أورع أهل زمانه وأتقاهم، وأعلم الأمة، وقد اشتدت الرقابة عليه وعلى مدرسته من قبل الحكام الأمويين بصورة لا مجال لأحد أن يتظاهر بالانتماء لتلك المدرسة، ومع هذه الشدة وتلك القسوة فقد استطاع أن يسيرها سيرا حثيثا وكفاحا مستمرا، وخرج عددا وافرا من علماء الأمة، الذين أصبحوا مرجعا للأحكام ومصدرا للحديث، وكان دعاؤه السلاح البتار الذي أثار حفيظة المسلمين وأخرجهم من حالة الذل والخنوع إلى عزيمة الثورة وأخذ الثأر لدينهم وكرامتهم.
وهكذا كان عهد ولده الإمام الباقر (عليه السلام) من بعده في بادئ الأمر، وما أن دب الضعف في جسم الحكم الأموي، حتى بعث النشاط في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، فقام الإمام الباقر خير قيام بواجبه، ونشر معالم الإسلام وإحياء مآثر السنة النبوية، فكانت حلقة دروسه في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبيت الله الحرام، وأين ما حل، هي أعظم حلقات الدروس.
كان ذلك في زمن بداية انقراض الدولة الأموية في سنة 132 ه وبدء تأسيس