لتلك الهجمات الشرسة التي توجهها السلطة لتمحو أثرها من الوجود، سواء كانت في المدينة المنورة أو في مكة المكرمة في بادئ الأمر أو في الكوفة بعدما جلب المنصور الإمام (عليه السلام) من المدينة، وفرض عليه شبه الإقامة الجبرية في الكوفة.
وقد تحملت هذه المدرسة بطش الجبابرة وعسف الظالمين لكنها أدت رسالتها بكل جدارة وقدرة، وكان من نتاجها تخرج فطاحل العلماء وحملة الحديث على الإمامين الصادقين (عليهما السلام) والذين أغدقوا على الأمة وعلى الأجيال الصاعدة الخير والبركة، وطفحت بشتى العلوم والحكمة والمعرفة، وجعلهم الدعاة البارزين لمحاربة أهل الأهواء والبدع والضلال والمذاهب المنحرفة عن خط أهل البيت (عليهم السلام)، ويدعوهم إلى المثل العليا في الإسلام، والأخلاق الفاضلة والغايات السامية والأهداف الكريمة لتطبيق أحكام شريعة السماء على جميع الأمة وطبقاتها.
أما تأريخ مدرسة الإمام الصادق ونشوئها، فقد كان أسبق من كل المدارس الإسلامية، إذ لم يكن الإمام الصادق (عليه السلام) هو الذي وضع الحجر الأساسي لها، بل كان الواضع لحجرها والغارس لشجرها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد وضع منهاجا ونظاما رائعا، وحث الأمة على الانتهاء إليها، وقرن العترة بكتاب الله العزيز وبعترته الطاهرة، بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " إني مخلف فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا " (1). كما صرح (صلى الله عليه وآله وسلم) في كثير من مواقفه وتعاليمه بلزوم اتباع منهج أهل البيت والأخذ عنهم، وإنهم سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق.
فالمدرسة إذا كانت نشأتها في عهد صاحب الرسالة (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان رئيسها الأول الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) باب علم مدينة الرسول وأمينه على سره، وأقضى الأمة وأعلمهم بعده (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو نفس الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي