أوجب الاستئناس بين اللفظ والمعنى المجازي بحيث يمكن معه اعتماد المتكلم في تفهيم المعنى المجازي على نفس مثل هذه الشهرة، إلا أن الفرق بينها وبين المنفصلة أن الثانية أقرب من الأولى من حيث السببية للاستئناس بين اللفظ والمعنى المجازي، حيث إنه يحصل معها الاستئناس المذكور بعدة استعمالات كذلك، بخلاف الأولى لاحتياجها إلى البلوغ في الكثرة غايتها.
لا يقال: كيف يمكن كون الأولى سببا لذلك مع أنه ليس في الألفاظ المجازية أكثر استعمالا من لفظ الأسد في الرجل الشجاع، فإنه قد بلغ استعماله فيه مع القرينة المتصلة في كل عصر إلى حد لا مزيد عليه، ومع ذلك لو أطلق مجردا عنها لا نرى أحدا يتوقف بين إرادة المعنى المجازي أو الحقيقي، بل يحملونه حينئذ على حقيقته بلا تأمل وتوقف؟ لأنا نقول: إن استعمال اللفظ في المعنى المجازي كثيرا - سواء كان بالقرينة المتصلة أو المنفصلة - إنما يوجب تساوي الاحتمالين إذا تحقق من مستعمل واحد، ونحن نمنع بلوغه في لفظ الأسد بالنسبة إلى كل المستعملين أو بعضهم إلى هذا الحد، بل لو تأملت استعماله بالنسبة إلى آحاد الناس تجده قليلا غاية القلة، فتدبر.
ثم إنه ربما يتوهم دفع ما ذكره السلطان - من منع بلوغ استعمال الأمر مع القرينة المنفصلة في الندب إلى حيث يوجب تساوي الاحتمالين في اللفظ المجرد -: بأنه لا شبهة ولا ريب أنا بعد ما لاحظنا الأوامر المطلقة المجردة عن القرينة نجد أكثرها أن المراد بها الندب بقرينة الإجماع، أو بدليل آخر، بحيث يكون ما كان المراد به الندب ضعف ما كان المراد به الوجوب، بل أضعافه، فثبت شيوع استعمال صيغة الأمر مجردة عن القرينة المتصلة في الندب.
لكنه مدفوع أولا: بأن العلم بكون المراد بأكثرها هو الندب لا يستلزم استعمالها فيه بلا قرينة متصلة، بل يحتمل أن يكون معها قرائن متصلة بها تفهم