وأما الثالث: فلما عرفت من خروج أمر الحائض والنفساء، وكذا أمر المولى بالخروج إلى المكتب عن موضوع البحث لسبق الأمر على الحظر في الأول، وأن الحظر في زمان خاص كان مقيدا له بذلك، فيكون ثبوت الوجوب لما بعده بإطلاق ذلك الأمر، ولاختلاف موضوعهما في الثاني.
وأما الأمر بقتل المشركين بعد الأشهر الحرم فكونه للإيجاب إنما هو لقيام الإجماع عليه، فيكون هو مخرجا للأمر عن هذا الظهور العرفي وصارفا عنه، وكلامنا إنما هو في الأمر الواقع عقيبه الحظر بالنظر إلى وقوعه بعده مع قطع النظر عن سائر القرائن.
ومن هنا نقول: إن أمر الحائض والنفساء، وكذا الأمر بالخروج إلى المكتب على تسليم دخولهما في موضوع النزاع إنما حملا على الوجوب بسبب القرينة، وهي الإجماع في الأول، والعلم بمطلوبية الذهاب إلى المكتب في الثاني.
ومن هنا يندفع القول بظهور الأمر حينئذ في الحكم السابق على الحظر، فإنه على تقدير تسليمه إنما هو لأجل القرينة الخاصة وهي ثبوت الوجوب أو الإباحة قبله، مع أن كون الحكم السابق قرينة على ظهور الأمر حينئذ فيه محل نظر.
ثم إن الظاهر أن حجج الأقوال الأخر إنما هي دعوى ظهور الأمر حينئذ عرفا فيما صاروا إليه فكل يدعيه على طبق مدعاه.
وأما القائل بالوقف والإجمال: فحجته أنه يرى التعادل بين ما يقتضي الحمل على الحقيقة، وبين ما يقتضي حمله على المجاز فتوقف.
وجوابه قد علم مما سبق، فإن المنصف يجد ظهوره فيما اخترنا دون ما صاروا إليه، وبهذا الظهور يندفع القول بالوقف، فإن ما يقتضي حمله على الحقيقة مقهور بالنسبة إلى ما يقتضي حمله على المجاز، فيؤخذ بالثاني، فلا وجه للتوقف.