ثم إن الذي اخترنا بالنسبة إلى ما يكون النهي السابق غير مغيا بزمان ورود الأمر لا إشكال فيه، وأما بالنسبة إليه فالإنصاف أنه لا يتمشى فيه الوجه المتقدم، لكونه منشأ للظهور، فإن المكلف عالم حينئذ بعدم النهي بعد ذلك الزمان بمقتضى مفهوم الغاية، فليس له حالة منتظرة إلى الرخصة حتى يكون الأمر حينئذ ظاهرا فيها لذلك.
والحق أن يقال في وجهه: أن ظهوره فيها حينئذ إنما هو بقرينة المقابلة بمعنى أن ذكر الأمر في قبال النهي المغيا قرينة عرفا على أن المراد به رفع ذلك النهي وأنه تأكيد لمفهوم الغاية، وهذا ظاهر لا إشكال فيه، إلا أنه فيما إذا كان الأمر متصلا بالنهي أظهر، فتدبر.
لا يقال: إن هذا القسم خارج عن موضوع البحث، فإن متعلق النهي وموضوعه هو الفعل المقيد بقطعة من الزمان، وموضوع الأمر هو مقيدا بقطعة أخرى منه، فاختلف موضوعاهما.
لأنا نقول: إن الغاية قيد للحكم، والموضوع هو الفعل المطلق، وكذا موضوع الأمر، ولو لا ذلك لدخل مفهوم الغاية في مفهوم اللقب المختلف فيه، وهو باطل بالضرورة.
ثم إن هذا الذي ذكرنا - من كون التقابل قرينة على ظهور الأمر في رفع النهي - يجري في غير النهي التحريمي والأمر أيضا، كما إذا كان تنزيهيا، فإنه حينئذ وإن لم يكن موجبا لظهوره في الرخصة - كما مر - إلا أنه يوجب الظهور في رفع الكراهة النفسية، فافهم، بل يجري فيه الوجه المتقدم أيضا، فإن المكلف حينئذ وإن لم يكن له حالة منتظرة إلى الرخصة إلا أن له حالة انتظار رفع الكراهة، فتدبر جيدا.