العقلي، فإنه على تسليم حكم العقل بالحظر قبل العثور على الأمر الشرعي، فلا ريب أن موضوع حكمه إنما هو عنوان المجهول كونه مأمورا به، وموضوع الأوامر الشرعية إنما هو ذوات الأفعال من حيث هي، إذ لا يعقل ورود الأمر الشرعي على موضوع حكم العقل بحرمته مطلقا، سواء كان من أحكامه الواقعية كحكمه بحرمة الظلم وقبحه، أو من أحكامه الظاهرية كحكمه بحرمة فعل ما لم يعلم بكونه مأمورا به، وقبحه، لامتناع توجه الأمر شرعا إلى ما حكم العقل بقبحه، وكيف كان، فهما مفهومان متغايران. نعم اتفق اتحادهما في المصداق، وهو غير مجد، فبطل القياس، لخروج المقيس عليه عن عنوان الكلام.
ومن هنا يتجه الإشكال على المستدل المذكور أيضا في استدلاله على ما صار إليه بظهور الأمر بالذهاب إلى المكتب بعد النهي عن الخروج عن المحبس، إذ لا ريب أن متعلق النهي إنما هو الخروج عن المحبس، ومتعلق الأمر إنما هو الذهاب إلى المكتب، وهما مفهومان متغايران، فيخرج ذلك عن محل الكلام.
لا يقال: إن المثال الذي ذكره المستدل هو قولنا: (اخرج من المحبس إلى المكتب) بعد النهي عن الخروج عنه، فمتعلق الأمر فرد من الخروج المطلق الذي هو متعلق النهي، فيدخل في محل الكلام، فعلى تقدير تسليم ظهور الأمر حينئذ في الوجوب يتم استدلاله.
لأنا نقول: إن قولنا: اخرج منه إلى مكان كذا إنما هو عبارة أخرى عن قولنا: اذهب إلى المكان المذكور بقرينة كلمة (إلى)، فإنها دالة على أن المراد من الخروج الذهاب، فتأمل [1].