نتوجه، إلا إلى مظاهر أسمائه وصفاته تعالى، فليس هذا إلا من جهة أن الله تعالى يريد أن يعرف المظاهر كلها بالفناء.
إلى غير ذلك من الآيات التي فيها تصريح أو إشارة إلى معنى الفناء.
ثم من الواضح أنه لا يتيسر رؤية فناء الأشياء بالعين الظاهرة، إذ كيف يتمكن الموجود المحدود من رؤية غير المحدود، بل الرؤية إنما تكون بحقيقة الايمان، وعين القلب، وعالم الامر والملكوت، كما قال سيد الموحدين أمير المؤمنين عليه السلام:
(لم تره العيون بمشاهدة الابصار، ولكن رأته القلوب بحقيقة الايمان.) (1) فيرى العبد ربه تعالى في الواقع بعالم الامر والملكوت بإدراك مقام فناء نفسه وفناء كل شئ. وكما لا يمكن رؤية عالم التجرد بالعين الظاهرة، كذلك لا يتيسر لعين البصيرة والباطن رؤية المظاهر المادية، ولو فرض أن لعين القلب والباطن توجها إلى المظاهر، فإنما يكون بالجهة الظلية الموجودة للمظاهر.
وعليك بالرجوع إلى الآيات القرآنية وبيانات الأحاديث والأدعية التي وردت إلى ما شاء الله في هذا المجال، حتى يتضح لك الامر أزيد من هذا المقال، ولا يشتبه عليك الحال، فإن إدراك الفناء وغيره من المعارف الدقيقة الإلهية لعامة الناس بل والمتوسطين منهم (لشدة أنس الأذهان بعالم المادة) قرين غالبا بشبهات لا تليق بساحته سبحانه، ولذا أورد الله تعالى في ذيل كل آية كان شأنه ذلك بيانا لدفع هذه الشبهات الباطلة، وكان دأب المعصومين عليهم السلام أيضا ذلك، فترى في ذيل كل من الخطب والأدعية التوحيدية بيانات منهم عليهم السلام لدفع هذه الشبهات. راجع إلى بياناتهم عليهم السلام في البحار (2) أو أدعية كتاب اقبال الأعمال حتى يظهر لك صدق هذا المقال.