المستقيم الذي لم ينسب في كلامه تعالى إلى غيره، إلا إلى هذه الجماعة في قوله تعالى: * (إهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم) * وبالجملة، فهم ملحقون بهم غير صائرين منهم كما لا يخلو قوله: * (وحسن أولئك رفيقا) * من تلويح إليه. وقد تقدم أن المراد بهذه النعمة هي الولاية.
وأما هؤلاء الطوائف الأربع، أعني النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فالنبيون هم أصحاب الوحي الذين عندهم نبأ الغيب، ولا خبرة لنا من حالهم بأزيد من ذلك إلا من حيث الآثار، وقد تقدم أن المراد بالشهداء، شهداء الأعمال فيما يطلق من لفظ الشهيد في القرآن، دون المستشهدين في معركة القتال، وأن المراد بالصالحين هم أهل اللياقة بنعم الله، وأما الصديقون فالذي يدل عليه لفظه هو أنه مبالغة من الصدق.
ومن الصدق ما هو في القول، ومنه ما هو في الفعل، وصدق الفعل هو مطابقته للقول، لأنه حاك عن الاعتقاد، فإذا صدق في حكايته كان حاكيا لما في الضمير من غير تخلف، وصدق القول مطابقته لما في الواقع، وحيث كان القول نفسه من الفعل بوجه، كان الصادق في فعله لا يخبر إلا عما يعلم صدقه وأنه حق، ففي قوله الصدق الخبري والمخبري جميعا، فالصديق: الذي لا يكذب أصلا، هو الذي لا يفعل إلا ما يراه حقا من غير اتباع لهوى النفس، ولا يقول إلا ما لا يرى أنه حق، ولا يرى شيئا إلا ما هو حق، فهو يشاهد حقائق الأشياء، ويقول الحق، ويفعل الحق.
وعلى ذلك، فيترتب المراتب، فالنبيون وهم السادة، ثم الصديقون وهم شهداء الحقائق والأعمال، والشهداء وهم شهداء الأعمال، والصالحون وهم المتهيئون للكرامة الإلهية. " (1) انتهى.